علي إبراهيم

ولي عهد بريطانيا، الأمير تشارلز، على حق عندما تحدث عن أن جزءًا من أسباب الحرب الأهلية في سوريا، وموجة الهجرة إلى أوروبا، هو الفشل في معالجة مشكلة التغير المناخي، حيث ضرب الجفاف البلاد نحو 6 سنوات، ما أدى إلى مشاكل وحركة نزوح من مناطق ريفية إلى المدن. وبالطبع فإن بقية القصة معروفة، إذ تعامل النظام مع حركة الاحتجاج الاجتماعي بالرصاص والقهر، وهو ما أدى إلى الثورة، والوضع الذي نراه اليوم. والأمير تشارلز معروف باهتمامه بقضايا البيئة والتغير المناخي، ومفهوم أن ربطه التغير المناخي بما يحدث في سوريا الآن هو محاولة إلى لفت أنظار العالم إلى المخاطر المحدقة بنا.


التغير المناخي موجود، ونشعر به عامًا بعد عام، ما أدى إلى بحث الظاهرة على مستوى قادة الدول والزعماء، والمفارقة أن قمة المناخ ستعقد خلال أسبوع في فرنسا، البلد الذي شهد أخيرًا هجومًا إرهابيًا داميًا، تسبب في مقتل أكثر من 120 شخصا، ليعطي ذلك دلالة من دون قصد على ما يحذر منه البعض من مشاكل واضطرابات، تشمل الإرهاب، سيحدثها التغير المناخي في العالم، مع حدوث موجات نزوح كبرى.


وقد أدت المخاوف من ارتفاع منسوب البحار والمحيطات إلى أن يعقد أعضاء حكومة جزر المالديف في المحيط الهادي اجتماعًا تحت الماء، لتنبيه العالم إلى أن جزرهم ستكون تحت الماء خلال سنوات، إن لم تتخذ إجراءات جدية تجاه التغيرات البيئية الناجمة عن نشاط بشري، والتي تؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه في المحيطات.


والمشكلة ليست بعيدة عنا؛ فمنذ سنوات وهناك تحذيرات من أن الدلتا المصرية الخصبة، التي يقيم عليها غالبية سكان مصر، مهددة بسبب ارتفاع منسوب البحر، ما قد يؤدي إلى نزوح عشرات الملايين مستقبلاً، وسيؤدي ذلك إلى مشاكل اجتماعية كبيرة. وقد نشرت مجلة «نيوزويك» الأميركية تحقيقًا مطولاً أخيرًا عن المخاطر التي قد تتعرض لها الدلتا، وما يحدث الآن من مشاكل ملوحة في الأرض، وانخفاض الإنتاجية، بسبب الإخلال بتوازن الخزان الجوفي، نتيجة السحب منه، مما يؤدي إلى زحف مياه البحر.


هي مشاكل تبدو بعيدة عن الاهتمام الآني مع القضايا الأخرى العاجلة، مثل عجز الميزانيات، وتوفير موارد النقد الأجنبي، وأخطار الإرهاب الذي تفاقم، لأنه لا يوجد حل سوى النظر من الآن إلى هذه الأخطار البعيدة، التي لو تغافلنا عنها وأهملناها فسنكون أجرمنا بحق أجيال مستقبلية ستداهمهم هذه الأخطار دون أن تكون لديهم استعدادات لمواجهتها.


وهي أيضًا مشاكل ترتبط بفك عقدة العجلة البيروقراطية التي تعرقل كل شيء، وتجعل من العسير حل أي مشاكل في مدى زمني معقول، والبيروقراطية في الكثير من البلدان العربية تخلق حالة إحباط ويأس من إمكانية النجاح والإنجاز، فتخلق مناخ إحباط يكون حاضنة جيدة لأفكار التطرف والإرهاب.


والطريف أن تحقيقًا لمجلة «الإيكونوميست» يشير إلى أن فيلمًا مصريًا أنتج عام 1993 يعتمد على فكرة ثورة أب يحاول أن ينقل ابنه من مدرسة إلى أخرى، فيصطدم بالبيروقراطية، ويستولي على سلاح حارس، ويتهم بالإرهاب في النهاية. وتضرب المجلة أمثلة على البيروقراطية في بلدان عربية؛ ففي العراق يتعين تسجيل المواليد الجدد في محل ولادة الأب، بصرف النظر عن مكان ميلادهم الحقيقي، في حين أن تغيير مكان الولادة يحتاج إلى 18 مراجعة مع الدوائر المعنية. وتبدو بعض الإجراءات البيروقراطية مثيرة للعجب وبنظام «دوخيني يا ليمونة»، وهي تستنزف الميزانيات، وتعطل المشاريع، وتقتل المبادرات والإبداع، وتكرس حالة الإحباط العامة.
&