&خلف الحربي


اكتسحت الموجات القبلية الهائلة نتائج الانتخابات البلدية، وهذا أمر طبيعي جدا لعدة أسباب، أهمها تركيبة السكان في العديد من الدوائر الانتخابية التي يكاد أن يكون جميع المتنافسين فيها من قبيلة واحدة، لذلك فإن أسماء الفائزين فيها لا تعبر بالضرورة عن توجهات قبلية لدى الناخب، أما في الدوائر ذات التركيبة الاجتماعية المتنوعة فإن ظهور التوجهات القبلية للناخبين قد ساهم في تعزيزه تشابه الأطروحات بين المرشحين في الانتخابات البلدية، مما دفع الكثيرين لعدم المشاركة فيها إلا لأسباب اجتماعية بحتة، مثل صلة القرابة أو الرابط القبلي، وفي كل الأحوال يجب أن لا تزعجنا كثيرا هذه النتائج لأن هذه هي تركيبة مجتمعنا الذي تشكل القبائل فيه النسبة الأكبر من عدد السكان ولأن التجربة الانتخابية في بلادنا لا تزالت في بداياتها الأولى وتحتاج أن تمر بمثل هذه المراحل كي نصل إلى النتائج التي نتأملها جميعا.


وكان من الملفت للنظر حقا في هذه الانتخابات فوز مجموعة المرشحات في دوائر انتخابية مختلفة منذ التجربة الانتخابية الأولى التي تشارك فيها المرأة، وهو أمر نادر الحدوث في المجتمعات العربية، وهذا يدل على وعي مجتمعنا بالدور الهام الذي يمكن أن تلعبه المرأة في سبيل خدمة وطنها، وإذا وضعنا في الاعتبار الشروط القاسية التي وضعت أمام المرشحات من النساء في كيفية إدارة حملاتهن الانتخابية فإننا سنكتشف حجم الإنجاز الذي حققته المرأة السعودية في هذه الانتخابات، ونتمنى أن لا تواجه الفائزات عراقيل مماثلة خلال ممارستهن لعضويتهن في المجالس البلدية وأن تتضمن قوائم الأعضاء المعينين أسماء نسائية كي يكون هناك تناغم بين نتائج الانتخابات وقوائم التعيين.


وبصورة عامة لا يمكننا أن نجمل الواقع فنقول إن الانتخابات البلدية تمثل تطلعات المجتمع السعودي بصورة دقيقة، لأن هذه التجربة مرت ببعض الإحباطات، إما بسبب الصلاحيات المحدودة التي منحت لأعضاء المجالس البلدية وإما بسبب تأجيلها الذي أدى إلى عدم اكتمال التجربة وتطورها، ما تسبب في عزوف الكثير من المواطنين عن المشاركة فيها، وأظن أن هذه الانتخابات سوف تحظى بإقبال حقيقي متى ما اقتنع المواطن بأن هذه المجالس تملك الصلاحيات الكافية التي تجعلها ذات تأثير حقيقي على حياته اليومية. وما هو أهم من كل ذلك أن الانتخابات البلدية تمثل سطرا في كتاب المشاركة الشعبية في القرار الوطني ونأمل أن تتطور التجربة لتصل إلى مجلس الشورى، فمشاركة المواطن في صناعة القرارات في وطنه عامل أساسي في تطور الأمم.