&مطلق بن سعود المطيري

أين هو الإعلام العربي بهويته القومية ووظيفته الفاعلة التي تنسق وتجمع الأدوار والمواقف العربية من أجل إنتاج رؤية مستقبلية محصنة من الاختراقات الخارجية والعبث الفوضوي الداخلي؟ كل ما عند العرب لا يخدم العرب! تاريخ الإعلام العربي مملوء بالدسائس والمؤامرات التي توجه لزعيم من أجل خدمة زعيم آخر، فالشعوب دائما خارج حسابات الإعلام، تحولت القومية العربية بفعل الإعلام إلى اسم زعيم والتبعية له مثل ما يعرف اليوم وفي السابق "بالناصرية" كارتباط اديولوجي بشخص واحد جامع ومنفرد بمنح حق الإيمان بالعروبة، فما يراه عربياً يكون هو العربي وما يلغيه من الانتماء العربي يحذفه الإعلام العربي ويرمي عليه كم هائل من الموبقات والقاذورات الصحفية التي مازال بعض الصحفيين العرب يستخدمها.

إخواننا العرب أعادوا خلق شيخ القبيلة صاحب القداسة السياسية، فظهرت زعامة ناصر وصدام، وعندما اعترضت بعض دول الخليج على هذه القداسة وعبادة الأشخاص، اتهمها إعلام العرب بالرجعية والقبلية، لأنها ضد قداسة الأشخاص، كان هذا في الخمسينات الى سقوط صدام حسين 2003، تاريخ الإعلام العربي كله رايات وشعارات ترفع لنصرة زعماء بنوا مجدهم على جثث شعوبهم وخراب بلدانهم، أما الجمهور العربي فانقسم الى قسمين الأول رافع رايات الزعيم وهذا حظى بالامتيازات المادية والوظيفية، والقسم الثاني وهو الأكبر الذي لا يعرف صياغة الشعارات للزعماء ويريد أن يعيش حياة كريمة بعمله وجهده شد الرحال لدول الخليج حيث العمل والاحترام والأمان، وبين جمهور الشعارات وجمهور العمل والتنمية قامت معارك إعلامية وفكرية في الجامعات والشوارع والمقاهي الى هذا اليوم مازالت موجودة وتزدهر في لحظات القلق على مصير البلدان العربية..

الذاكرة العربية وعاء لا يحفظ التاريخ كما هو ولكن كما يريده صانعو التوترات الذين يكسبون من الشتائم وعورات الأصوات، كسعودي تتمثل لي حالة الإعلام العربي بتاريخه وواقعه اليوم المعاش في هذا الظرف الصعب، فلا أرى فرقاً كبيراً بين ما كان اليوم يحمل إشارات التحول والاهتمام بمستقبل العرب.. فذهب هذا الإعلام المتذهب بطائفة شخص ومصلحة شخص ومصير شخص إلى وضع مشروع التحالف الإسلامي في خانة الريادة وأدوار الأشخاص، ليعطل قناعات الجماهير التي تبحث عن الخلاص من الإرهاب والقتل المجاني، فلا ضير في ذلك فالواقع السياسي العربي أسس إعلام النخب السياسية ولم يعرف يوما كيف يكون إعلام الناس، وحمل الغضب بعض أقطاب الإعلام من الدور السعودي الى حيث لا معنى ولا موقف، لأنه دور يمثل الناس ويرفع من الاهتمام بمصير الشعوب العربية وليس بحثاً عن الريادة ولكن تحملاً للمسؤولية، وهذه المبادئ التزمت بها القيادة السعودية منذ أمد بعيد، فالملك فيصل بعد هزيمة 67 قدم للقيادة الناصرية الدعم بكل أشكاله حتى تحافظ مصر على هيبتها ومكانتها في العالم العربي ولتتجاوز ويلات النكسة وفي حرب 73 اتخذ الملك الشهيد قرار وقف إمداد الغرب بالبترول كجهد مطلوب وأساسي في تحقيق النصر ولتبقى مصر رائدة ومنتصرة وتحتفل إلى هذا اليوم بنصرها العزيز، ومواقف الملك عبدالله الداعمة لتطلعات الشعوب العربية ونخبها السياسية جاءت كذلك كإحساس بالمسؤولية التاريخية وليس للبحث عن مكانة شخصية، وفي عاصفة الحزم تجدد الإحساس بالمسؤولية نحو الأشقاء فكان القرار العسكري والتضحيات، وأخيراً مبادرة التحالف الإسلامي التي تهدف لحماية العقيدة والإنسان وكرامته، مبادرة يعجز إعلام قداسة الأشخاص وصانع الموبقات أن ينقلها لجمهوره المأزوم، فالمسؤولية دائماً ثقيلة وصعبة وبها جوانب محرجة للأشخاص الذين يبحثون عن مصلحة شخصية، المملكة تحمي مبادرتها بمسؤوليتها تجاه الشعوب المسلمة، وتركت هموم الريادة لنجوم السينما وأفلام الرعب والسخرية.