&مها الشهري


فكرة الترويح النفسي في هذا الرأي تقاس على المستوى الذاتي للفرد، بمعنى هروب الإنسان من حصار ذاته ومحيطه وعلاقاته الاجتماعية، ومن ثم كسر الروتين في خوض تجربة لنمط آخر من أساليب الحياة على طريقة المغامرات، مما يعني أنه يسعى في استبدال أحاسيسه بشكل تعويضي في ظل عدم توافر مصادر الإشباع لتلك الأحاسيس لديه، وبما أن الفكرة الأساسية التي يبني عليها تنظيم داعش قوته تأتي من فكرة الخلاص تحت مظلة روحية «دينية» توفر الأمن النفسي، فالافتراض هنا في كون الدافع هو الحاجة الملحة للنجاة من خلال بحث البعض من أولئك الهاربين في النهايات والعواقب المجهولة.
قبل أيام قرأنا خبرا يروي قصته رجل انضمت ابنته -وهي فنانة تشكيلية- إلى داعش، وقد يكون من المستغرب أن أصحاب هذا النوع من الاهتمامات يتغيرون نحو التشدد والتشرد، وربما يعزو الأمر إلى انعدام التوافق بين الفرد ونفسه فضلا عن عدم انسجامه مع محيطه، أي أن الخيبات تتسبب في حدوث اضطرابات قد تدفع بالفرد لفعل شيء كهذا، وحينما يتصرف بطريقة لا يتوقعها من حوله فهو في الأصل يرفض واقعه بلا شك.


هناك نظريات في دراسة السلوك الإنساني تفترض أن الإنسان بطبيعته يسأم من الخضوع للحياة المعقدة والمنظمة بالقوانين، فكيف إذا كانت مكتظة بالأزمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى ذلك يمكن القياس على حالات الكثير من المنتسبين إلى داعش، الباحثين عن الحياة الفوضوية الخاضعة لوضع اجتماعي يتسم بالعشوائية خلافا لأساليب الحياة الروتينية والمنظمة والمحكومة بقوانين المجتمعات التي كانوا ينظرون إليها كحياة رتيبة، حينها يكون الفعل مدفوعا بطغيان عاطفي هدفه التجربة والتغيير، بغير إدراك للوضع المحفوف بالمخاطر.
إن البحث عن الحرية النفسية التي دفعت بآلاف الشباب من الجنسين ومن مختلف المجتمعات إلى لعبة الموت هذه أشبه بالمغامرة، فهم لا يضعون احتمالا لوقوع الخطأ في ظل ضغط الحالة التي تعتريهم، وقد لا يتعدى الأمر أن يكون أحد السبل لإثبات الذات.


هناك منطلقات وأبعاد كثيرة تفسر أشكال اللجوء إلى داعش من نواح عديدة تناولناها كثيرا بالبحث والتحليل، ولكن التطرق لهذه المسألة بشكل تجريدي يجعلنا نضع افتراضا مختلفا ننظر فيه إلى داعش كوسيلة تحقق أهدافا ذاتية قبل أن تكون أهدافا جماعية أو تنظيمية، كونها مساحة سمحت ومهدت باحتواء هذه الاتجاهات الفردية، فكان الإقبال عليها كبيرا وصادما، حيث إن بعضهم لا تظهر عليه علامات التدين في سلوكياته وتعبيراته، إنما هي شعارات يدعمون مواقفهم من خلالها ويخدعون بها أنفسهم كي يقتنعوا بأنهم على حق.
هناك ضرورة للنظر إلى سلامة البناء النفسي وتنمية الشخصية السوية في أفراد المجتمع ودعم التنشئة الاجتماعية بكافة أشكال الحوافز التي تنقذ الفرد من الحالات النفسية الصراعية حرصا عليه من استبدال واقعه والهروب إلى الخيارات العشوائية والمؤذية، في حين قد تستهويه حياة اجتماعية مثل التي تعيشها داعش ويعتبرها شكلا من أشكال الترويح والاستجمام.