عثمان ميرغني

قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الأزمة السورية، هل يعطي أملاً جديًا بحل قريب، أم يكون مجرد حلم كاذب يتبخر سريعًا تاركًا السوريين لمزيد من المعاناة؟
القرار الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأنه «أول قرار يركز على السبل السياسية لحل الأزمة»، تزامن مع تسريبات في أميركا لمحتوى كلام قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال لقاء مع مجموعة من الصحافيين في البيت الأبيض لاطلاعهم على رؤيته للأزمة السورية، وكان يفترض ألا يكون للنشر لكنه تسرب على أي حال. الكلام يؤكد أمورًا يفترض أن تكون معروفةً الآن، وهي أن إدارة أوباما لا تريد أن تتورط في تدخل عسكري واسع يشمل إرسال قوات برية إلى سوريا، وتتخوف من أن مثل هذا التدخل قد يجرها إلى تدخلات أخرى في ليبيا واليمن. فهناك تقارير تتوقع أن ينقل تنظيم داعش نشاطه ومحاربيه إلى هاتين الدولتين إذا هزم في سوريا والعراق، مستغلاً الأوضاع الراهنة هناك. ليبيا على وجه الخصوص تعتبر مصدر قلق أكبر لأوروبا والغرب عمومًا بسبب الفوضى الراهنة، وانتشار السلاح بكل أنواعه، ووجود نشاط لـ«القاعدة» و«داعش».

أضف إلى ذلك مشكلة المهاجرين التي هزت أوروبا وشغلتها تمامًا طوال العامين الماضيين، وتحذيرات أجهزة الاستخبارات الغربية من تسرب إرهابيين وسط أفواج المهاجرين. هذه المخاوف تزايدت بعد الهجمات الإرهابية في باريس، مما دفع الغرب إلى التحرك في اتجاهين، الأول، لدفع جهود الحل السياسي في سوريا وليبيا، والثاني، تصعيد الحرب على «داعش» في العراق وسوريا ومحاولة دحره هناك حتى لا تصبح الحرب ضده حربًا متحركةً من ساحة إلى أخرى.


أوباما في كلامه المسرب بدا متخوفًا كذلك من أن يؤدي التدخل الغربي بقوات برية في سوريا إلى مزيد من التعقيد، خصوصًا بعد التدخل الروسي الواسع والمباشر، إضافةً إلى أن التنظيمات الإرهابية سوف تستغل الأمر في دعاياتها لاستقطاب المزيد من المقاتلين. الواقع أن تردد الإدارة الأميركية في التدخل كان السمة الواضحة منذ بدايات الأزمة، مثلما هو الحال مع الدول الغربية الأخرى، مما سمح بتعقيد الأمور في ظل الصراع الإقليمي المحتدم وتدفق السلاح على التنظيمات المختلفة، بما فيها التنظيمات المتطرفة التي قويت على حساب المعارضة «المعتدلة».


تسريب كلام أوباما كان بمثابة رسالة واضحة بأن التركيز الغربي سيكون على محاربة الإرهاب بتصعيد الغارات الجوية، وأن أي تدخل بقوات برية يجب أن تتولاه دول عربية وإسلامية وليس الدول الغربية، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل أوضاع المنطقة وخلافاتها. هذا لم يترك سوى باب الحل السياسي لطرقه، باعتبار أن هذا الحل سيساعد أيضًا في الجهود لمحاربة «داعش». السؤال هو: لماذا تركت الأمور كل هذه السنوات، وسمح للأزمة بأن تتعقد إلى هذا الحد، قبل أن يعود العالم للحديث عن صيغ كان طرحها أسهل في البداية، بل إنها طرحت لكنها رفضت مع الخلاف المستمر حول مصير بشار الأسد ونظامه؟
التركيز على حرب الإرهاب هو الدافع والمحرك الأساسي وراء تكثيف الجهود اليوم لإيجاد حل سياسي. التدخل العسكري الروسي ربما كان محفزًا آخر في اتجاه البحث عن حل سياسي قبل أن تقع حادثة أخرى على غرار إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية تؤدي إلى مواجهة غربية – روسية خطيرة العواقب.


المشكلة في قرار مجلس الأمن الأخير أنه جاء فضفاضًا مثل كثير من القرارات الدولية لا سيما في الأزمات التي يدور حولها خلاف بين الأعضاء الدائمين. فالقرار يتحدث عن بدء محادثات بين النظام والمعارضة الشهر المقبل، وعن تشكيل حكومة انتقالية ووضع دستور جديد في غضون ستة أشهر، تعقبه انتخابات حرة تحت رقابة دولية خلال 18 شهرًا، لكنه لا يتطرق إلى العقدة الأصعب وهي مصير بشار الأسد ومستقبل نظامه ودورهما في الترتيبات الانتقالية، وما بعدها. هذه المسائل اختصرت في جملة عمومية تقول «إن الشعب السوري هو من سيحدد مستقبل سوريا»، وكأن هذا الشعب ترك لوحده ليقرر مستقبله، أو أن الأزمة لم تصبح نزاعًا إقليميًا ودوليًا معقدًا بأجندة متنافرة وحسابات متباينة.


القرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في المناطق السورية كافةً، لكن مع التباين بين الغرب وروسيا حول تحديد وتعريف من هو المعتدل ومن هو المتطرف، ومن يجب قصفه أو استثناؤه، فإن وقف النار على الأرض قد يكون أصعب مما قد يبدو عليه الأمر للوهلة الأولى. وقف العمليات العسكرية يصبح معقدًا أكثر بسبب الصراعات بين تنظيمات المعارضة، وتباين أجندتها، وارتباطاتها الخارجية، إضافةً إلى تنامي الاعتبارات الطائفية والإثنية في الصراع.


مجلس الأمن اتخذ قراره بالإجماع، لكن الصيغة الفضفاضة تؤكد أن أطراف الأزمة لا تزال بعيدةً عن رؤية متقاربة للحل.. على الأقل في المستقبل المنظور.
&