&فاروق جويدة
&
&
&
كلما اتسعت جرائم الإرهاب وتنوعت حسب الظروف والأوطان والثوابت زادت حدة المواجهة واتسعت دائرة الاتهامات وطرح هذا السؤال نفسه
.. هل كان الإرهاب صناعة عربية أم انه كان دائما صناعة غربية وان اختار بلاد العرب موطنا ومكانا؟ .. ان الغرب دائما يدعى ان الإرهاب جاء من العالم العربى والدول الإسلامية وان الفارق الحضارى والفكرى هو الذى يمثل الأسباب الحقيقية للظواهر الإرهابية فى العالم وان الإرهاب ينمو ويكبر فى حقول الأمية والجهل والتخلف، وأمام الظروف التاريخية التى عاشها العالم الإسلامى فى عصور الفتن والصراعات وقد تركت آثارها على المستوى الحضارى كان من الطبيعى ان تظهر قوى الإرهاب وهى عادة تبدأ فى صورة افكار شاذة وغريبة وسرعان ما تدخل دائرة الصراع مع المجتمع ثم ينتهى بها الحال الى اعمال وحشية وجرائم تتنافى تماما مع ثوابت العقائد والأديان.كان الغرب دائما يرى ان اوكار الجهل هى التربة الصالحة دائما لنشر الإرهاب وان الإنسان كلما صعد درجة او درجات فى موكب العلم والحضارة كان أكثر انسانية واعمق فكرا وخيالا وابداعا .. وان شواهد التاريخ تؤكد ان القراصنة فى اوروبا ظهروا قبل ان تضئ قناديل الحضارة وان الإستعمار بوجهه المدمر كان حصاد عصور من التخلف والرغبة فى السيطرة على مقدرات الآخرين .. وقد بقى الخلاف ولم يحسم يوما حول قضايا الإرهاب متى بدأ واين نشأ وما هى العوامل التى شجعت على ظهوره ..
&
لا يمكن ان نتجاهل حقيقة مهمة وهى ان الإرهاب ابن طبيعى للفقر والجوع والجهل وان المناخ الذى ظهرت فيه الظواهر الإرهابية ارتبط عادة بعصور التخلف الفكرى والحضارى وان ازمنة القهر والاستبداد تتحمل مسئولية كاملة عن هذه الظواهر .. إذا كان الفقر هو التربة الصالحة لظواهر التخلف الفكرى أمام الجهل والأمية وغياب مصادر المعرفة فإن الظروف الاقتصادية كانت دائما وراء انتشار الإرهاب فى اوطان كثيرة، ان الأحياء الفقيرة فى المدن الكبرى حتى الآن تشهد اكبر مساحة للجرائم ولا خلاف فى ذلك بين دول متقدمة واخرى تقف فى آخر صفوف الحضارة، ان الجرائم فى احياء السود الفقيرة فى العواصم الكبرى فى العالم تختلف تماما عن الأحياء الغنية التى تعيش فيها الصفوة ويسكنها الأغنياء ..
&
ان الفقر هو أخطر اعداء التقدم، والجهل اسوأ اعداء النبوغ ويبدو ان ازمنة القهر والاستبداد كانت ترى فى إفقار الشعوب افضل وسيلة لبقائها فى السلطة لأن الشعوب الجائعة تركع امام رغيف الخبز حتى ولو كان ملوثا بدماء العدل والحقوق والكرامة الإنسانية.. فى ظل الاستبداد انتشرت عصور الإرهاب وللأسف الشديد ان العالم الذى يدعى الحضارة لم يأخذ بيد الشعوب التى رزحت تحت سياط القهر والاستبداد .. لقد ساند العالم المتقدم حكاما مارسوا كل ألوان القهر على شعوبهم حماية لمصالحه .. لقد هادن انظمة قمعية ووقف يساند الإستبداد مع حكام ترفضهم شعوبهم وكانت النتيجة خروج أجيال مشوهة فكريا وانسانيا .. ان ازمنة القمع العربى هى التى دفعت للشوارع عشرات الملايين من البشر وكل واحد منهم يمثل لغما يمكن ان ينفجر فى اية لحظة .. كانت طوابير الأمية والبحث عن عمل ام الكوارث، وكان التعليم المتخلف يدفع كل يوم بالملايين حيث لا خبرة ولا ثقافة ولا قدرة على استيعاب روح العصر وكانت الأمراض تنخر فى عظام الشباب الذى دخل سراديب الكهولة وهو فى ريعان شبابه امام امراض مستوطنة وتخلف فى الرعاية الصحية ابسط حقوق البشر .. هناك اجيال جاءت الى الحياة وخرجت منها دون ان تحقق شيئا فلا هى عملت ولا هى حلمت ولا هى اكملت مشوارها وكانت صاحبة دور ورسالة ..
ان لعنة الإرهاب التى تعانى منها آخر الأجيال فى العالم العربى انتقلت اليها عدوى الإرهاب من نماذج بشرية مشوهة ضللت الملايين ودفعت بهم الى متاهات من الجهل وغياب الرؤى وكان الحصاد المر ما نراه الآن. امام عصور القمع والإستبداد التى كبرت وترعرت فى احضان الغرب اتسعت ظواهر الإرهاب واخذ أشكالا عديدة .. لقد بدأ بإتخاذ موقف من العصر وكل ما يجرى فيه فكانت العزلة الفكرية والثقافية والحضارية ومن خلال هذه العزلة تشكلت مفاهيم وافكار واراء تتعارض تماما مع الفكر السليم ووجدنا اجيالا تورث بعضها الرؤى الخاطئة وكراهية الآخرين .. ومع العزلة ورفض الآخر ضاقت مساحة الفكر واتسعت مساحات الجهل والخرافة وبدلا من ان يندفع الإنسان فى حياته الى الأمام فضل ان يقف فى منتصف الطريق ويبدأ رحلة العودة للوراء وكأن الزمان توقف به عند نقطة فى الكون لم يغادرها.
&
امام تعليم جاهل واستبداد ظالم وقوى اجتماعية أكلت بعضها وتشحمت فى ظل الطغيان كانت هناك اجيال تموت جوعا وفقرا وحرمانا.
على الجانب الآخر وفى ظل منظومة لا تتجاوز حدود ما يحقق المصالح كان الغرب يتابع المشهد من بعيد ولا يعنيه ابدا ان تتقدم الشعوب الأخرى او تجد لها مكانا تحت الشمس، كانت انانية الغرب اكبر من ان تتركه بعض الوقت ربما تحركت فيه الضمائر لنرى شعوبا خرجت من الزمن وتحولت الى الغام بشرية يمكن ان تدمر كل شىء.. ولم يتردد الغرب فى التقاط تلك الوجوه التى ظهر فيها ضوء ما من بين هذا القطيع المتراكم من الجهل والتخلف .. التقط الغرب ما ظهر فى هذه القطعان البشرية من بعض العقول التى تمردت على واقعها المتخلف ورأت انها جديرة بأن تلحق بركب الحضارة وكانت هذه جريمة أخرى فقد حرم الغرب الشعوب الضائعة من تلك الشموع القليلة التى لمعت فى هذا الليل الكئيب وسرعان ما جذبتها روح الحضارة فذهبت اليها تاركة خلفها ذلك الظلام الأبدى المخيف ..
&
ومع ظهور الثروات الطبيعية كان الغرب على استعداد لأن يتغاضى عن كل القيم والمبادئ من اجل بئر بترول او صفقة سلاح عابرة او مذابح تجرى هنا او هناك بل انه اهدر حقوقا لشعوب كثيرة خرب اراضيها واستباح حقوقها وسلمها للآخرين وكانت تجربة فلسطين فى قلب العالم العربى اكبر جريمة تآمر فيها العالم كل العالم على شعب مسالم.
إذا كان الإرهاب قضية عالمية الآن فقد كان لكل طرف نصيب فيها ولا يمكن ان نقول بأنه صناعة عربية او إسلامية فقط لقد كان الغرب شريكا اساسيا فى هذه الظاهرة وقد التقت مصالح الغرب فى احيان كثيرة مع مطامع الطغاة والمستبدين فساند الغرب نظما قمعية استباحت خيرات الشعوب وضيعت عليها كل فرص التقدم .. سرق الغرب كل القدرات والكفاءات التى لاحت فى سماوات الدول الفقيرة ليتركها للفقر والجهل والتخلف .. وظل سنوات طويلة يحمى بالسلاح والعتاد والأمن انظمة مستبدة ولم يعبأ فى يوم من الأيام بقضايا الحريات وحقوق الإنسان وهذه الشعارات البراقة التى كان يراها حقا لشعوبه وليست حقا للآخرين .. والأسوأ من ذلك ان الغرب الذى يصرخ الآن من الإرهاب شارك يوما فى بناء الخلايا الإرهابية حين انشأ القاعدة فى افغانستان كجزء من صراع القوى العظمى ايام الإتحاد السوفيتى ولم تتردد الإدارة الأمريكية فى ان تجمع الملايين من خزائن العرب لتمويل نشاط القاعدة قبل ان تنقلب عليها.. وفى احضان الغرب نشأت جماعة الإخوان المسلمين منذ بدايتها وحتى آخر اجتماعات دارت فى واشنطن اخيرا بين المسئولين فى الخارجية الأمريكية ورموز الإخوان .. ولم تتردد الإدارة الأمريكية فى ان تسعى لتقسيم الشعب العراقى الى السنة والشيعة وتلقى السلاح الى حشود الحرب الأهلية فى سوريا وان تتعاون مع الحوثيين فى اليمن والفصائل المتناحرة فى ليبيا وما حدث فى الصومال وتشعل الصراعات بين التيارات الدينية والسياسية فى اى مكان يضمن مصالحها ويحقق اهدافها ..
&
فى كل هذه الخرائب ساند الغرب الإرهاب وشجعه بالمال والعتاد والسلاح.. ان العالم العربى الآن يصرخ فوق بركان من الفوضى والصراعات وفى اليوم الذى ينتهى فيه دور البترول وينزل من المسرح لن تجد جنديا واحدا او خبيرا او جاسوسا من اى دولة غربية فى اى عاصمة عربية والكل يلعب فى الوقت الضائع .
ورغم ان الإرهاب يزعج الغرب احيانا إلا انه يريد الفوضى لهذه المنطقة من العالم انه يتصور الآن ان الثورات فشلت وان على الشعوب ان ترضى بواقعها لأنها ستبقى حائرة ما بين ارهاب الجماعات المسلحة واستبداد النظم الحاكمة وربما اكتشفت هذه الشعوب للأسف الشديد ان الإستبداد ارحم .. ومازال الغرب يتصور ان تقام فى اى بقعة من العالم الإسلامى الفسيح امارة تجمع الإرهابيين من كل جانب بحيث تكون لهم دولة وسط هذا المستنقع المتخلف بعيدا عن الحضارة الغربية بطقوسها وثوابتها ومصالحها ..
&
قد يكون الغرب الآن على قناعة ان امام شعوب هذه المنطقة مراحل زمنية طويلة حتى تلحق بركب الحريات فى العالم وتؤمن بشىء يسمى الديمقراطية .. ان الغرب رغم كل ما اطلقه من الشعارات حول حقوق الإنسان مازال يرى ان العالم الإسلامى غير جدير بها ..
ان السؤال الأخطر والأهم ان الفصائل والجماعات الإرهابية قادرة على استنساخ افكارها جيلا بعد جيل فهل تكفى المواجهات الأمنية لمواجهة هذا الخطر الرهيب؟
&
ان الغرب جعل من الإرهاب شبحا يخيف به الآخرين، وفى الوقت الذى يراه ينزع شبحا ويخلق شبحا آخر وهذا ما حدث حين خرجت داعش وهى صناعة امريكية من عباءة القاعدة وعلينا ان ننتظر ظهور اشباح أخرى.
نعود الى حيث بدأنا بالسؤال عن هوية الإرهاب والحقيقة ان الإرهاب بلا وطن او دين انه يحمل كل جرائم الإنسانية طوال تاريخها ابتداء بسفك الدماء وانتهاء باستباحة حق الحياة فى تاريخ البشر، وإذا كنا قد عشنا اياما سوداء فى ظواهر ارهابية اجتاحت هذه الأمة فى فترات ماضية فإن الشىء المؤكد ان الشعوب قادرة على قطع الفروع الفاسدة واستئصال الأمراض الخبيثة وهذا ما حدث كثيرا فى التاريخ العربى والإسلامى القديم والحديث.
&
ان الغرب يبدى الآن انزعاجه من جماعة داعش ويطلق عليها الدولة الإسلامية وهو يعلم جذورها ومصادر تمويلها لأن كل ما تقوم به الآن هذه الجماعة يحقق مصالح الغرب فقد خربت ثلاث دول عربية وحولتها الى اطلال بكل تراثها الحضارى والتاريخى لأن الإرهاب عادة ضد الحضارة والتقدم فما حدث فى العراق وسوريا وليبيا وما ينتظر اليمن وربما دولا اخرى يتطلب صحوة عربية قبل ان تجتاح حشود التخلف والقتل آخر ما بقى لهذه الأمة من مصادر القوة والبقاء .
ان الواجب يحتم ونحن نعالج قضية الإرهاب أمنيا ان نبحث عن الجذور والأسباب ونحاول ان نجد طريقا لإنقاذ الملايين من الشباب الذين شوهتهم الأفكار المجنونة ودفعت بهم الى طريق مظلم .. ويبقى الإرهاب الفكرى هو رأس الجريمة وأهم واسوأ اسبابها.
التعليقات