&&صالح القلاب

&
"جزاء سنمار"، فالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الذي كان فرَّ من عدن عام 1986، بعد مذبحة المكتب السياسي التي نفذها علي ناصر محمد ضد رفاقه، ولجأ إلى صنعاء، هو من قاد في عام 1994 حرب إحباط محاولة علي سالم البيض العودة باليمنيْن إلى "التشطير"، وهو من بقي يشكل "ديكوراً" وحدويّاً بين الشمال والجنوب على مدى العشرين سنة الماضية، وهو منْ لم يفكر باستغلال الظروف المستجدة، ويتحالف مع "الحوثيين" وغيرهم، وينقلب على الرئيس السابق علي عبدالله صالح حتى بعد إقصائه وفقاً لـ"المبادرة الخليجية" التي ثبت أنها كانت ناقصة وغير حاسمة، ما جعل مصيرها هو هذا المصير البائس.


كان على عبدربه منصور هادي، وقد قدمت "المبادرة الخليجية" الحكم له على طبق من ذهب، أن يأخذ درساً من تاريخ "التصفيات" الطويل في شمالي اليمن وجنوبه، فهو شهد كيف كانت نهاية قحطان الشعبي، أول رئيس لليمن الجنوبي، بعد استقلال عام 1967 عن البريطانيين بعد استعمار دام مئة وثمانية وعشرين عاماً، وشهد كيف أكل "الرفاق" رفيقهم سالم ربيِّع "سالمين"، وكيف أكل "الرفاق" بعضهم بعضاً يوم "جُنَّتْ" عدن وفقدت عقلها يوم مزَّق الرصاص أجساد معظم قادة الحزب، ومن بينهم المُنظِّر الأكبر عبدالفتاح إسماعيل في مذبحة المكتب السياسي الشهيرة في عام 1986.


والمؤكد أن عبدربه منصور هادي، وهو العسكري المحترف وخريج كلية الحرب البريطانية "ساند هيرست"، وهو الذي أصبح نائباً لرئيس أركان الجيش العقائدي في اليمن الجنوبي، يذكر تماماً كيف تواصلت حلقات المؤامرة في اليمن الشمالي "الجمهورية العربية اليمنية" منذ أطاح انقلاب عبدالله السلال عام 1962 الإمام محمد البدر حميد الدين ومقتل الجنرال إبراهيم الحمدي ومقتل الجنرال أحمد حسين الغشمي الذي خلفه، وهكذا إلى أن انتهى الوضع إلى علي عبدالله صالح الذي بقي حاكماً أوحد إلى أن تمت إزاحته بسيف المبادرة الخليجية في الثالث من أبريل عام 2011، بعد حكم متواصل استمر اثنين وثلاثين عاماً.
ربما ليس مهماً معرفة كيف استطاع عبدربه منصور هادي الإفلات من قبضة "الحوثيين"، ومعرفة الجهة الداخلية أو الخارجية التي قامت بتهريبه من الشمال، الذي ربما وداعه له سيكون الوداع الأخير الذي لا لقاء بعده، إلى الجنوب حيث ينتظره علي سالم البيض، وحيث سيواجه تعقيدات لا حصر لها، أصعبها أن "الحراك الجنوبي" بات يطالب بالعودة إلى "التشطير" علناً، وعلى رؤوس الأشهاد، وأن بعض الجنوبيين باتوا يرفعون شعار أنهم ليسوا يمنيين، وأن بلدهم ليس الشطر اليمني الجنوبي، وأن اسم دولتهم المنشودة سيكون الجنوب العربي!
إنها رحلة طويلة منذ أن غادر عبدربه منصور هادي عدن، التي تخضبت جدران منازلها وساحاتها بدماء "الرفاق"، بصحبة علي ناصر محمد، وحتى عاد قبل أيام بمفرده بعدما تجرع مرارة تجربة كانت محبطة ومخيبة للآمال... ويقيناً إن هذا الرجل الذي لايزال يحمل لقب رئيس الجمهورية العربية اليمنية لابد وأنه تذكر رحلته السابقة من الجنوب إلى الشمال، وقارن بينها وبين رحلته الأخيرة من الشمال إلى الجنوب... إنه حلمٌ وتبخَّر.
&