محمد العسومي
&
خسائر الشركات الأوروبية جراء العقوبات المفروضة على روسيا بلغت 21 مليار يورو، وهي مرشحة للتفاقم، ما قد يؤدي إلى إفلاس الكثير منها لاعتمادها على التصدير لروسيا الاتحادية يبدو أن لعبة المصالح الأوروبية الأميركية تتفاقم في التعامل مع روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، فالولايات المتحدة رغم استقطابها الكثير من رؤوس الأموال الروسية، إلا أنها لا ترتبط بمصالح اقتصادية وتجارية قوية بالسوق الروسية، في حين أضحت هذه السوق الكبيرة منافذ رئيسية للمنتجات الأوروبية، والتي تضررت كثيراً من جراء العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بضغط أميركي.
&
وحتى الآن، فإن خسائر الشركات الأوروبية بلغت 21 مليار يورو وفق مصادر إسبانية، وهي مرشحة للتفاقم، ما قد يؤدي إلى إفلاس الكثير منها لاعتمادها على التصدير لروسيا الاتحادية، كما حذرت رابطة المصدرين الألمان من كارثة حقيقية إذا استمرت هذه العقوبات، معلنة أن 6200 شركة تقوم بأعمال مع روسيا.
&
أما مجلس حكماء ألمانيا، والذي يضم مستشارين اقتصاديين كبار، فقد أشار إلى «أن أزمة أوكرانيا تشكل أكبر تهديد للنمو العالمي، خصوصاً ألمانيا، وذلك لأهمية روسيا الاقتصادية»، في حين لم تترك هذه العقوبات أثراً يذكر على الاقتصاد الأميركي.
لقد كانت بلدان الاتحاد الأوروبي قبل الأزمة الأوكرانية تنظر إلى السوق الروسية، كأحد المخارج المهمة لأزمتها، باعتبارها مصدراً للطاقة وسوقاً كبيرة لتسهم في تنمية الصادرات الأوروبية، إلا أن هذه الآمال تبخرت الآن، ما يضع أوروبا في وضع حرج، فمن جهة هناك الضغوط الأميركية والتي ربما مقصودة ضمن التنافس بين أكبر عملتين عالميتين (الدولار واليورو)، ومن جهة أخرى هناك ضغوط الشركات الأوروبية والقطاع الخاص، والذي يرى ضرورة التروي في فرض العقوبات وإيجاد مخرج للأزمة الأوكرانية، حيث لا تمثل أوكرانيا أهمية اقتصادية ذات شأن للشركات الأوروبية.
&
بوتن من جهته يعرف ذلك جيداً ويستغله بصورة ذكية تخدم المصالح الروسية، ففي الوقت الذي قام بجولات لإيجاد بدائل عن العقوبات الغربية، نجح في توقيع اتفاقيات تجارية مع العديد من بلدان العالم، بما فيها بعض البلدان العربية، كالمغرب ومصر لزيادة صادراتهما لروسيا، كما وقع اتفاقيات أخرى بمليارات الدولارات تضمن صادرات الطاقة الروسية، إذ من المتوقع توقيع اتفاقية ثانية مع الصين بعد الاتفاقية الأولى لتزويدها بالغاز من خلال أنابيب ممتدة بين البلدين، في الوقت الذي تحصل فيه روسيا على دعم كبير من البلدان الأعضاء في مجموعة «بريكس»، وهي الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، بالإضافة إلى الصين.
&
لذلك يبدو أن أوروبا ممثلة في ألمانيا وفرنسا بدأت تدرك عمق الأزمة وهي على استعداد لتقديم تنازلات ربما لا ترضي الحليف الأميركي، إلا أن لعبة المصالح أقوى من أي تحالف، خصوصاً بعد أن اتضح الكثير من معالم الأزمة الأوكرانية ودور مختلف الأطراف فيها.
&
التفاوت بين المصالح الأوروبية والأميركية في هذا الصدد سيزداد اتساعاً وستنمو الفجوة بين الطرفين، وبالأخص بعد نجاح الراديكاليين في انتخابات اليونان الأخيرة وتوجههم نحو روسيا لطلب المساعدة والحصول على قروض ومعونات ودعم في مجال إمدادات الطاقة، موجهين رسالة قوية للمفوضية الأوروبية مفادها أن اليونان يملك البديل.
&
ويتوقع أن تستمع أوروبا لصرخات شركاتها المتضررة بقوة، خصوصاً أنها تمر بأزمة غير مسبوقة زاد من تفاقمها العقوبات غير المتوقعة المفروضة على روسيا، والتي بدورها تعاني من هذه الأزمة، والتي أدت إلى هروب رؤوس أموال كثيرة، وإلى انهيار العملة الروسية «الروبل»، إلا أن روسيا ربما لا تقدم على تنازلات كبيرة، إذ إن هذه الأزمة تعتبر بالنسبة لها تحدياً أمنياً ووطنياً يمس مباشرة مصالحها القومية.
&
المهم بالنسبة لأوروبا وروسيا هو وقف المزيد من التدهور ومعالجة الأزمة بحكمة، وبما يعبر عن مصالح الطرفين اللذين تجمعهما القارة الأوروبية، ويبدو أنهما يتجهان إليه، حفاظاً على مصالحهما المشتركة.