مشاري الذايدي

عاد وزير الخارجية السعودي، الخبير، الأمير سعود الفيصل، من رحلة علاجية، ليرسم لوحة واضحة المعالم في الرؤية السعودية الخليجية لما يجري وسيجري في المنطقة.


في الرياض، باشر الفيصل عمله بمؤتمر مشترك بين وزراء الخارجية الخليجيين مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الغرض الرئيسي من هذا الاجتماع شرح السياسة الأميركية في الانفتاح على إيران، بالإضافة لملف الحرب على «داعش»، وأزمة سوريا، ومعضلة اليمن.


لا يمكن للحوار الأميركي مع إيران أن ينجح إذا كانت دول الخليج غير مطمئنة له، ولا يمكن حصول الطمأنينة إذا كان هناك غموض أو صفقات تُعقد في الخفاء. لأجل هذا يحاول الوزير الأميركي إشراك الكتلة الخليجية مع أميركا في هذا الحوار.


لا يمكن لأي ترتيب أميركي - إيراني أن ينجح دون اقتناع دول الخليج، لأن هذا التجمع السياسي هو الجار لإيران، يتشارك معها البحر نفسه، ويطل معها على فم المضيق الملتف بأمواج السياسة ونار النفط، مضيق هرمز.


يحار المرء من هذا الشغف الأوبامي بصفقة مع إيران الخمينية، رغم اعتراض الغالبية الجمهورية في الكونغرس، وتحفظ دول الخليج، وحتى اعتراض حليفة أميركا الأولى في العالم، إسرائيل. من حيث المبدأ، فإن السعودية ودول الخليج يسرها أن تهدأ إيران، وتكف عن إفسادها وتدخلاتها المدمرة في سوريا والعراق واليمن، ولكن على أرض الواقع، فإن ثمة فجوة هائلة بين وزير الخارجية جواد ظريف، وجنرال الإفساد الإيراني «مرزبان» فارس الجديد، قاسم سليماني. فجوة بين لطافة الدبلوماسية الإيرانية، وصلافة فيلق القدس واستخبارات الحرس الثوري.


إيران، كما قال سعود الفيصل، مستولية على العراق، محتلة لسوريا، وها هي تفسد الدولة اليمنية، ومن قبل دبرت لانقلاب خميني في البحرين. كل سياسات إيران الخارجية في الإقليم عدوانية ضارة، فماذا يراد من السعودية أن تفعل؟
هل يعني هذا إغلاق الباب أمام إيران؟ طبعا لا، لكنه يعني المزيد من الشروط التي لا يمكن الالتفاف عليها لتقييد المفاوض الإيراني، الماهر، بها حول النووي.


وعلى ذكر النووي الإيراني، فإن النووي مجرد عرض لمرض، ومظهر لمخبر، لأن المشكلة الحقيقية في السياسة الهجومية الثورية المدمرة التي تنتهجها إيران لبسط النفوذ في الإقليم. بعبارة أخرى، ما الثمن الذي ستدفعه واشنطن لطهران مقابل تخلي الأخيرة عن السلاح النووي؟ الخلاف مع الرؤية الأميركية «الأوبامية» يتجسد في سوريا؛ ثمة تباين واضح حول المقاربة للمأساة السورية، فبينما تفضل واشنطن الإطلالة على المشهد السوري من كهف «داعش»، ترى السعودية أن المشهد السوري أكبر من اختزاله في «داعش»، وأي مضي في هذه الرؤية العوجاء يزيد الأمر رهقا.


قال وزير الخارجية السعودي بحضور الوزير الأميركي إن «استمرار أزمة سوريا جعلها ملاذا للإرهاب بمباركة بشار الأسد»، ليقول كيري بعد الفيصل: «الأسد دمر بلاده للحفاظ على بقائه، وهو فاقد للشرعية، لكن أولويتنا محاربة (داعش)».
فرق بين رؤية كلية صبورة, ورؤية جزئية عجولة.