أمجد المنيف


يقول الموسيقار السويسري، «إرنست ليفي»، إنه «ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد، كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال..»، وهذه العبارة أفضل ما أبدأ به حديثي عن عودة فضل شاكر إلى الحياة وروحها..

تقول الأخبار إن المطرب اللبناني فضل شاكر تراجع أخيراً عن الفكر المتطرف، بعد أكثر من عامين من اعتزاله الغناء، وإعفاء لحيته وانخراطه في جماعة «أحمد الأسير» اللبنانية. حيث نفى شاكر، في مقابلة أجرتها معه قناة الLBC قبل أيام، أن يكون شارك في معارك أحداث «عبرا»، مؤكدا أنه يتمنى أن يستعيد حياته الطبيعية، ونافياً أنه حرّض على الجيش اللبناني، مطالباً القاضي بالتحقيق في هذا الأمر والكشف عمّن انتحل شخصيته..

بمجرد أن علمت عن هذا الخبر، عدت مباشرة لحروف كتبتها قبل فترة، قلت فيها إن قلب فضل شاكر، الذي غنى «يا غايب» و»حياة الروح»، لا يعرف غير الحياة طريقاً.. يستحيل على هذا القلب أن يهتدي لممرات القتل، وهذا ما يؤكد أنه لم يغير أفكاره؛ وإنما تخلى عن قلبه.. وعندما غاب القلب حضر التطرف! كما قلت آنذاك:.. إن الذين يكون الموت خيارهم الأوحد، ويختارون تغليفه بما يعتقدون أنه «الجهاد»، هم لا يبحثون عن الانتصار غالباً، وإنما عن أبواب الهروب من الحياة، يختارون النهاية ببطولة، لأن الإنسان بطبعه يخاف من الخروج عن النسق، حتى في دروب الموت، لذلك هم يجدون الحل في حزام مفخخ، يقتل اليأس في دواخلهم، ويمنحهم وسام البطولة.. بغض النظر عما بعد هذه النار!

بنظري أن شاكر المحكوم، غيابياً، بالإعدام إثر إدانته بتأليف عصابة مسلحة بقصد القيام بأعمال إرهابية، والهجوم على عناصر الجيش اللبناني؛ ليس الأول ولا الأخير، الذي يتعاطى مع الأحداث بلغة عاطفية، تكتب كردة فعل وقتية، نتيجة موقف أو صورة، أو حتى كلمة، ويحاول أن يلبسها أكبر مما تحتمل تلك اللحظة، بعد أن يحاول أن يوظفها كحياة كاملة، ثم لا يلبث حتى يعود باحثاً عما يعبئ فراغات تلك الحياة!

هذا الأنموذج، وغيره الكثير من النسخ المحلية، التي عادت إلى الاعتدال، بعد مسيرة طويلة في أزقة التطرف، تكذّب - وبمباشرة وحدة - تلك الرسائل، وبكل أنواعها، التي تدفع إلى ذلك، بل انها تكشف زيف وكذب تلك الدعوات من الداخل، بعد أن تتعرف عليها عن قرب، ثم لا تتحمل بقاءً حتى تعود.

أما الزاوية الأخرى، والتي لا أريد الإسهاب بها كثيراً، ولا أستبعدها إطلاقا، هو أنه قام بدور استخباراتي بحت، سواء كان مرغماً أو باختياره، لتحقيق أمر ما.. حيث إن فرضية صدق هذه الرواية تنسف كل ما سبق، وما سيلحق، وجميع فضل شاكر وأغانيه، وتاريخه، وإنسانيته.. وكل شيء! لأن «الفن يهدف إلى خلق عالم أكثر إنسانية؛ مواز للعالم الحقيقي».
&