سمير عطا الله

على إسرائيل أن تشعر بالقلق حقا: سوف تذهب مرة أخرى إلى انتخابات عامة وليس لديها من تقترع له أفضل من بنيامين نتنياهو. صورتها في الغرب، الذي طالما كان سندها الوجودي الأهم، صارت رثَّة. ومن واشنطن إلى باريس إلى كوبنهاغن ثمة امتعاض عام من الرجل الذي يدعو يهود العالم للعودة إلى إسرائيل، متجاوزا الأعراف الدبلوماسية وأصول العلاقات الدولية.


حل نتنياهو محل جيل كان له صورة أخرى في الغرب، وكانت له علاقات خاصة بالبيت الأبيض. غولدا مائير وإسحق رابين وشيمعون بيريس. هؤلاء عرضوا القوة وتصنَّعوا الضعف والحاجة الدائمة إلى السند الغربي. وجعلوا مرجعهم الأخير البيت الأبيض والجالية اليهودية في الولايات المتحدة. لكن نتنياهو تعامل مع جورج دبليو بوش، ثم مع باراك أوباما بغطرسة مألوفة. وعقد مشاركته مع أفيغدور ليبرمان، ممثل المهاجرين الروس، إضافة إلى ما يمثله من طباع فظّة مشابهة لطباع صاحبه.


وبعد حادث «شارلي إيبدو» وحادث الدنمارك، وجَّه نتنياهو إهانة مباشرة إلى الدولتين عندما دعا اليهود «للعودة» إلى إسرائيل، أي أنهم ليسوا مواطنين في دول ذات سيادة. لا أتذكر هبوطا للعلاقة الغربية - الإسرائيلية كما هي الحال اليوم. لكن ذلك يجيء في وقت لا يستطيع العرب التعويل عليه. ففلسطينيّو الداخل منقسمون على نحو مزر. و«القضية العربية الكبرى» صارت دزينة من القضايا الحالكة، وكلما قصف نتنياهو عنزة قام صلح رائع مع السلطة، فما إن تغيب دباباته حتى يعود العداء المدمِّر ومكر الخلاف.


بذل العرب في الماضي كل جهد ومال من أجل إقناع الغرب المنحاز بعدالة قضيتهم وغطرسة إسرائيل. والآن، يتولّى نتنياهو ذلك عنهم بنجاح واضح. لم يحدث أن قرر رئيس وزراء إسرائيلي أنه أكثر أهمية ونفوذا في واشنطن من ساكن البيت الأبيض، علما أن ذلك ليس بمستغرب. فالغرور الإسرائيلي سلوك عفوي، كما تمثَّل من قبل في إسحق شامير ومناحيم بيغن. والذي اقترب من السلام، لم يطل به الأمر قبل أن يدفع الثمن كما حدث مع إسحق رابين، الذي تحوَّل من قامع للانتفاضة بأعقاب البنادق، إلى شريك لياسر عرفات في لقاءات البيت الأبيض.


خسرت إسرائيل الأحزاب والتجمعات التي كانت تعطي عنها انطباع الفريق الساعي إلى السلم ورفع الظلم عن الفلسطينيين. وضحَّى الرئيس محمود عباس بأغلى ما لديه عندما قال إنه لم يعد يريد العودة إلى صفد، فقابل نتنياهو كل خطوة منه بالمزيد من العجرفة والغطرسة. وأحرق نتنياهو، منذ مجيئه بعد مقتل رابين، جميع الجسور التي مدها شركاء السلم العرب. ولقي عرفات من الطغمة المتوحشة معاملة لا تليق بإنسان. وكانت تلك إهانة لكل فلسطيني. أما العرب فكانوا يقاطعون نشرات الأخبار. شيء ممل يا جماعة.