حسان حيدر
&
باستثناء بعض الحالات القليلة، فإن المقاتلين «الأجانب» في تنظيم «داعش» يتحدرون من أصول عربية وإسلامية، اكتسبوا الجنسيات الغربية بالهجرة أو الولادة، وورثوا عن آبائهم العرق واللون والدين. لكن السؤال الذي يحار الجميع في إيجاد جواب ناجز له هو: ما الذي يدفع شباناً ولدوا في دول غربية وتربوا مع شبانها وتعلموا في مدارسها وجامعاتها ويفترض انهم قادرون على ايجاد مكان لهم في مجتمعاتها، الى التطرف والذهاب للقتال الى جانب تنظيم ارهابي أقل ما يقال في سلوكه انه يتناقض تماماً مع كل ما نشأوا عليه وتعلموا احترامه وناضلوا هم وأهاليهم من أجله، أي الحياة الإنسانية؟
&
هناك نزعة لدى كثيرين لإعادة الانقلاب في سلوك الشبان «الأجانب» الملتحقين بـ «داعش» او «القاعدة» الى عوامل نفسية او شخصية، كأن يقال مثلاً ان هذا المتطرف او ذاك كان يعاني من اكتئاب او انطواء، او انه واجه مشكلة محددة خلال فترة دراسته او عمله، او انه فشل في تحقيق هدف ما في حياته، فألقى باللوم على النظام السياسي - الاجتماعي الذي اعتبر انه لفظه ولم يساعده في نيل مبتغاه. لكن الالتحاق الجمعي المتمثل في توجه تسعة تلامذة طب بريطانيين مسلمين من أصل عربي الى سورية أخيراً للعمل في مستشفيات تخضع لسيطرة «داعش»، يسقط اولوية هذا الجانب، ويقلل من أهمية العامل الشخصي في التحول الى خيار التطرف، بل يكاد يقصر أسبابه على الانتماء الديني والعرقي.
&
فهل هي مشكلة الثقافة والدين ومعطياتهما الموروثة التي يصعب تغييرها، أم مشكلة العنصرية التي تفرض شروطاً مجحفة لاندماج المهاجرين وابنائهم في مجتمعاتهم الجديدة وتدفعهم الى التقوقع؟ وهل يتحمل المهاجرون اللوم ام الدول التي على رغم تقدمها الحضاري لم تنجح تماماً في تكييف قوانينها وعقليات مواطنيها لتقبلهم؟ بل من يرفض من: المتجنسون ام السكان الاصليون؟
&
قد يكون الجواب المرتجى يجمع بين أمرين. فمن جهة هناك عنصرية مباشرة او مقّنعة من جانب مجتمعات غربية تعيش فترات تدهور اقتصادي واجتماعي تنعكس تقليصاً للخدمات، فتنزع الى القاء اللوم على «الوافدين» الذين يرهقون موازنات الطبابة والتعليم والمساعدات الاجتماعية «لكثرة ما ينجبون»، على ما يعتقده جمع من نواب اليمين المتشدد البريطاني والفرنسي خصوصاً، وتستسهل إطلاق تصنيفات عمومية على كل عربي او مسلم او صاحب ملامح شرق اوسطية حتى لو كان مسيحياً، فتنسبه الى «الإرهاب» وتدينه سلفاً بتلك التهمة الى ان تثبت براءته.
&
وهناك من جهة ثانية، رفض المتجنسين الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة لأنهم يرون في ذلك تخلياً عن تراثهم وتعاليم دينهم، وإلغاء تدريجياً لهوياتهم الأصلية، وحرماناً من نوستالجيا الانتماء الى اوطانهم الاولى وطرق عيشهم واجتماعهم، حتى لو كانوا فروا منها بإرادتهم.
&
وشهدنا قبل ايام كيف اضطرت مدرّسة في نيويورك الى الاعتذار عن سماحها لطالبة صغيرة من أصل عربي بأداء قسم الولاء باللغة العربية، في اطار «اسبوع اللغات الأجنبية»، بعدما أثار ذلك احتجاجات اهالي تلامذة قالوا ان اقرباء لهم قتلوا في أفغانستان. ولم يسأل هؤلاء انفسهم عن الذين قتلهم الجنود الاميركيون في تلك البلاد البعيدة، وعما اذا كان ذهابهم الى هناك اصلاً خدم الأمن الاميركي والسلم العالمي، على ما تقول شعارات ادارتهم وقيادة جيشهم.
&
لكننا رأينا في المقابل كيف ذبح مهاجران نيجيريان يحملان الجنسية البريطانية احد الجنود البريطانيين امام ثكنته لأنه «يخدم في جيش يقتل المسلمين في بلاد الافغان».
&
وشهدنا ايضاً دعوات صدرت عن بعض اليمين المتطرف الايطالي الى «اطلاق النار على المهاجرين الأفارقة لمنعهم من دخول الاراضي الايطالية» باعتبارهم «ارهابيين محتملين»، لكننا رأينا في الوقت نفسه كيف هاجم فرنسيان من اصل جزائري مجلة «شارلي ايبدو» الساخرة وقتلا 12 شخصاً، بسبب نشرها رسوماً مسيئة الى الاسلام.
&
لا بد اذن من ان يكون الجواب على اسباب التطرف في مكان ما بين هاتين المنزلتين، ما يعني ضرورة بذل جهود متوازية في الجانبين لمواجهته، اي مباشرة إصلاح القوانين في الدول الغربية لمنع التجاوزات العنصرية والاحكام المسبقة، وإسكات الأصوات المطالبة بالفصل الاجتماعي والديني، والتوقف عن معاملة المهاجرين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، على ان يقابله اصلاح موازٍ يطاول المؤسسات والهيئات الدينية الاسلامية على امتداد العالم، وخصوصاً في الغرب نفسه، للتشديد على الاعتدال وقبول الآخر أياً تكن ثقافته او دينه، وتشجيع المسلمين على الاندماج في مجتماتهم غير الاسلامية، من دون التخلي عن هويتهم.
التعليقات