تركي عبدالله السديري
قد يتساءل البعض: لماذا هذه الخصوصية المعطاة للدرعية وهي عاصمة قديمة للدولة السعودية الأولى واُستبدلت بالرياض خلال الدولتين السعوديتين الثانية والثالثة، وأصبحت قرية صغيرة قياساً مع توسع المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام وأبها؟..
وللجواب على هذه التساؤلات علينا أن نعود إلى التاريخ وبداية التأسيس للدولة السعودية التي أصبحت الآن أكثر الدول العربية تماسكاً وصمام أمان العالم العربي، رغم أن المملكة لم تكن تمتلك تاريخاً حضارياً قديماً لمجتمعها مثل العراق أو سوريا اللتين كانت مجتمعاتهما قد عاشت الحياة المدنية منذ حضارات سبقت ظهور الإسلام.. وبرغم ذلك أصبحت المملكة شواهد وحقائق لا تُنكر.. والقصة تبدأ من الدرعية..
كانت شبه الجزيرة العربية قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى عبارة عن إمارات متشعبة ومحدودة القدرات والموارد، وكانت كل قرية أو إمارة تحرص على الحفاظ قدر المستطاع على ما تمتلك من غذاء من أجل البقاء فقط لا أكثر.. ولو جفت فجأة آبار الماء لانهارت القرية تماماً وتشتت أهلها، بل قد يتحول أميرها بعد ذلك إلى راعي أغنام..
ما أريد أن أقوله بأن المجتمع كان هشاً وفقيراً بالإضافة لضياع العدالة لصالح القوة بسبب الفقر وانعدام الأمان.. كانت هناك حقيقة أيضاً وهي أن من يتفاهمون أو يتصارعون يظل كل ما لديهم بعيداً تماماً عن أي مجتمعات حولهم..
الدرعية هي القرية الوحيدة التي حاولت أن تطرح نموذج دولة أكثر عدالة واستقراراً عندما رأت في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مبادئ قادرة على ترسيخ مفاهيم الدولة وتحقيق العدالة والأمن للمجتمع للنهوض به عبر إعادة ترسيخ المبادئ الدينية بدون انحرافات مثلما بدأ يدخل المجتمع في ذلك الزمان من عادات متخلّفة مثل تقديس الأموات أو اللجوء للحكم بين الناس بالأعراف الاجتماعية فقط التي تقوم على تعزيز قوة القوي وإضعاف الضعيف، بعكس الشريعة الإسلامية التي تقوم على العدالة والإنصاف وكفالة اليتيم والأرملة وحفظ الحقوق وتعليم الناس القراءة والكتابة حتى حكمت الدولة السعودية أغلب الجزيرة العربية ودخلت الكثير من القرى وهجر البادية تحت لوائها وساد الأمن وازدهرت التجارة والزراعة..
وعندما سقطت الدولة الأولى وعاد الإمام تركي - رحمه الله - لتأسيس الدولة الثانية ذهب الكثير لنصرته وردع الحملات العثمانية ضده، وتشهد الكثير من القصائد في ذلك الزمان على ذلك، والسبب فيه ما شعر الناس به من خير خلال الدولة الأولى وكذلك يعيد التاريخ نفسه عندما عاد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لنفس السبب وهي مبادئ الدولة التي بدأت في الدرعية منذ قرون لا سنوات فقط، وتعاهد أميرها وأهلها على تلك المبادئ الكريمة بتوحيد الله والإسلام والعدالة والأمن بين الناس ليسود الرخاء، لذلك يُصرّ نجم الدرعية وكل المدن الرجل البار الملك سلمان أن يعيد تذكير الناس بتلك القرية وقصة هذه الدولة القوية كي يرى فيها المواطنون عبر كل مساحات الأبعاد الجغرافية في امتدادات شبه الجزيرة العربية كيف أتت فروسية قادة وأخلاقيات مواطنين..
&
التعليقات