حسين شبكشي

تأتي هذه الكلمات بعد أن استوعب العالم والسعوديون القرارات الملكية المفاجئة الأخيرة التي استيقظوا عليها منذ يومين وجاءت بتغييرات أقل ما يمكن أن يقال عنها ويصف أثرها أنها مهمة جدًا.


رسمت القرارات الأخيرة خريطة طريق واضحة الملامح لقيادة البلاد في السنوات المقبلة، وسوف تكون من جيل جديد من شباب الأسرة الحاكمة. ولعل أهم ما تطرق إليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في قراراته الأخيرة (والتي قبلها) هو تبديد الخوف من فكرة خطورة أن يشيخ الحكم. لم يكمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان فترة المائة يوم، وهي الفترة التي جرى عليها العرف السياسي في تقييم الفترة الأولى للحاكم، إلا وهو يقوم بحراك تطويري وإصلاحي وهيكلي في جسد الدولة السعودية لم يسبق أن مر عليها بهذه السرعة والدقة والحزم والفعالية والحسم.


أديرت القرارات الملكية منذ السويعات الأولى لتولي الملك سدة الحكم بخليط مميز من السرية والكفاءة في الاختيار والحزم في الرأي، حتى بات كل قرار يصدر من الملك يأتي بنفس الدرجة من المفاجأة بالنسبة للمتلقين من الناس، وهذه ميزة أخرى تحسب لصالح القرارات الملكية بصورة عامة التي صدرت من الملك سلمان، وهي القبول العريض بين الناس، وهو الذي قطع الطريق أمام أصحاب الإشاعات والقيل والقال والتحليلات الغريبة.
من الواضح جدًا أن القرارات الملكية تتم دراستها بعناية، ويتم التحضير لها بشكل ممتاز لتغطي كل الجوانب حين صدورها، وهي انعكاس طبيعي لشخصية الملك سلمان نفسه لمن يعرفه عن قرب، فهو رجل عرف عنه المتابعة الدقيقة جدًا والاهتمام الكبير بالتفاصيل الصغيرة والحرص على الصالح العام. إن النقطة التي لم يتم التطرق إليها بشكل كاف حتى الآن في قرارات الملك سلمان هي تغيير «ثقافة» إدارة الدولة السعودية، وهذه نقلة نوعية تاريخية بحد ذاتها، فليس بخافٍ عن أحد أن الشكوى كانت موجودة لفترة ليست بالقليلة عن الإيقاع البطيء لبعض الدوائر الرسمية الحكومية في السعودية، وأن دائرة اتخاذ القرار قد تأخذ فترة طويلة من الزمن، وقد تعطل المصلحة العامة من أن تتحقق، وهنا أنجز الملك سلمان «بصمة» إدارية سريعة له، هي أن كل مسؤول سيكون أداؤه تحت المجهر وأن الثواب والعقاب لن يتأخر تحقيقه، وهذا ما رفع روح الثقة بين المواطن ودولته بشكل فوري، وأعاد الأمل في أن الحال قابل للإصلاح، وأن المستحيل من الممكن إنجازه بالتفاني والإخلاص في العمل.


القرارات الملكية الأخيرة تتجاوز فكرة اختيار أشخاص واستبدال آخرين، والذين تم اختيارهم كالأمير محمد بن نايف في منصب ولاية العهد، فهو رجل يشهد له القريب والغريب والقاصي والداني بأنه مخلص ومنجز ومسؤول وناجح ومصدر ثقة، ونال احترام وثقة قادته ومواطنيه، وكذلك الأمير محمد بن سلمان في ولاية ولاية العهد، هو رجل شاب يعمل بشكل متواصل ودؤوب ويتحمل المسؤولية بشكل مميز، ودخل إلى قلوب مواطنيه ونال محبتهم واحترامهم. أما بقية الاختيارات فقد جاءت مهمة ومميزة، وتؤكد توجه الملك في إحداث نقلة نوعية في أسلوب إدارة البلاد، فالخارجية السعودية، التي هي جزء مهم من سياسة الدولة، ستبقى تحت إدارة الملك، وبالتالي هي بحاجة لرجل تنفيذي مميز، فكان الاختيار الذي وقع على عادل الجبير الدبلوماسي اللامع، وفي الاقتصاد والتخطيط وقع الاختيار على رجل ناجح ومميز هو عادل فقيه ليطورها بشكل يتنامى مع نموذج الاقتصاد الأكبر في المنطقة، وكذلك التغييرات الأخرى التي استقبلت كلها بالإعجاب والتقدير والدعاء بالتوفيق.


القرارات الملكية تتعدى فكرة اختيار أشخاص ولكنها تغيير في ثقافة دولة وصناعة الأمل في مستقبلها، وهذا أهم إنجاز.


مائة يوم من الإثارة السياسية حتى الآن في عهد الملك سلمان، وبات السعوديون يتطلعون لكل قرار ملكي له جديد.