عبدالله بن بجاد العتيبي
«على أهلها جنت براقش» يضرب هذا المثل العربي المعروف لمن يجني على أهله بسوء تدبيره وجريرة عمله، وهو ينطبق أكثر ما ينطبق على ميليشيا الحوثي في اليمن، تلك التي ارتكبت الأسبوع الماضي جريمتين كبيرتين؛ الأولى، بقتل المدنيين في عدن واستهدافهم بشكل مباشرٍ وهو ما دفع منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى اتهام الحوثيين وأتباع صالح بارتكاب جرائم حربٍ ضد المدنيين. والثانية، استهداف المدنيين في المدن السعودية الحدودية في نجران وجازان.
جناية «براقش» اليمن تكمن في عدم فهمه لتوازنات القوى في المنطقة وعدم استيعابه لدرس «عاصفة الحزم»، فبعدما كانت السعودية تتجه أكثر نحو «إعادة الأمل» وإغاثة اليمن ضمن الدعم الكبير الذي خصصه الملك سلمان لليمن بمائتين وأربعةٍ وسبعين مليون دولار، وبعد البحث عن هدنةٍ لمدة خمسة أيام لإغاثة المنكوبين في اليمن قرر الحوثي تخريب كل ذلك وهاجم المملكة العربية السعودية.
ولم يكن محل شكٍ أن السعودية سترد، ومن هنا خرج المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف وتحدث بصراحةٍ عن دخولٍ في مرحلةٍ جديدةٍ من «عاصفة الحزم» وقال صراحةً: «إن المعادلة اختلفت» وأعلن قرار قوات التحالف والقوات المسلحة السعودية باستهداف منطقتي صعدة ومران، حيث المنشأ الأساسي لجماعة الحوثي وميليشياته واستهداف كافة قيادات هذه الميليشيا حيثما وجدوا واستهداف مقراته ومعسكراته مع تحذير للمدنيين بالابتعاد عن كل الأهداف المعلنة.
حق الرد على العدوان حقٌ مكفولٌ للسعودية، فلم تعد المسألة في بعدها الكبير بإعادة الشرعية لليمن وحماية السعودية من صواريخ الحوثي الإيرانية وبقية أهداف «عاصفة الحزم» بل ثمة معركةٌ مستحقةٌ للرد على عدوان الحوثي والقضاء المبرم على كل ما له علاقة به من قريبٍ أو بعيدٍ.
ولئن كانت «عاصفة الحزم» قد قضت على ثلاثة أرباع قوة الحوثي فإنه بحماقة «براقش» التي ارتكبها ضد المدن السعودية والمدنيين السعوديين قد جرّ على نفسه حرباً لا قبل له بها، وسيدفع ثمنها غالياً من قواته وقياداته وميليشياته، وسيخرب بيوت أتباعه وأنصاره في صعدة ومرّان بيديه، وسينفض سامر العبث على قوة الحزم والعزم.
ولن يمنع هذا الرد السعودي العسكري من استكمال العملية السياسية تجاه اليمن ومؤتمر الحوار الذي سيعقد في الرياض في 17 مايو (أيار) الحالي بقيادة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي والذي يجب أن تمثل فيه أحزاب وقبائل شمال اليمن بشكلٍ عادلٍ كتعيين نائبٍ شمالي للرئيس ينتمي للمذهب الزيدي المحترم من أحد رجالات اليمن الذين يحظون بالتقدير والقبول لدى الشعب اليمني.
المشهد السياسي اليمني يجب أن يشهد تغييرًا جذريًا يبتعد عن المكاسب الصغيرة لهذه الفئة أو تلك وأن يكون الهدف هو استعادة الدولة اليمنية وأن يدافع أبناء اليمن عن بلادهم وحياتهم وأن يتم توفير منطقةٍ آمنةٍ ومحميةٍ بالكامل تعود إليها القيادة الشرعية لليمن وتدير حربها ضد ميليشيات الحوثي وأتباع صالح من داخل اليمن ولأجل اليمن.
ينبغي أن يتجلى المؤتمر عن خطة إنقاذٍ شاملةٍ مدعومةٍ من التحالف العربي وبغطاء دولي تحت قرار مجلس الأمن رقم 2216 وأن تتضافر كل الجهود لإنجاح تلك الخطة وتوفير كافة مستلزماتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية حتى تثبت نفسها طريقًا واسعًا لمستقبل أفضل للدولة اليمنية والشعب اليمني.
سياسيًا، حجّمت «عاصفة الحزم» من الدعاية الإيرانية التوسعية، وأخرجت قيادات الجمهورية الإسلامية عن طورهم، فأخذوا يلقون التهم جزافًا تجاه السعودية ودول الخليج والتحالف العربي برمّته، وقد أخذوا يغطون الخسائر السياسية بالخطب الرنانة والكلمات المزركشة بالشعارات الجوفاء، وهو ما جعلهم يضيفون خسارةً إعلاميةً تضاف لخسائر السياسية.
في سوريا وعلى الأرض بدأت تتغير معادلات القوة بين الجيش الحر من جهةٍ وجيش الأسد وميليشيات حزب الله من جهةٍ أخرى ومعهم بقية الميليشيات الطائفية التي حشدتها إيران في سوريا من كل حدبٍ وصوبٍ، وخرج حسن نصر الله خائفًا مترددًا يتحدث عن خسائره المستمرة في إدلب وجسر الشغور، وخرج بعده بشار الأسد وتحدث منكسرًا ومهزومًا عن «النكسات» في الحرب، والنكسة مصطلحٌ سكه بعض القوميين العرب والناصريين لتخفيف التعبير عن الهزيمة النكراء منذ حرب 1967.
لقد أصبح نظام الأسد والميليشيات التابعة له في حالة ضعفٍ ودفاعٍ وتخلخلٍ وانشقاقاتٍ وتصفياتٍ، وهو مشتتٌ بين الشمال، حيث حلب وإدلب وجسر الشغور وبين الجنوب حيث درعا وبصرى الشام، وجنود الجيش الحر يتلقون تدريباتٍ حديثةً في تركيا وقبائل الجنوب يتلقون تدريباتٍ في الأردن لمواجهة النظام ولمواجهة حليفه الإرهابي «تنظيم داعش».
كانت الصورة الرمزية مهمةً ومعبرةً يوم الخميس الماضي، ففي حين كانت الرياض تحتفل بالملك سلمان بن عبد العزيز في حفلٍ بهيج كانت إيران وقوّات الأسد وحزب الله تتلقى الهزائم على الأرض في سوريا، وكان الحوثي ينتظر أسوأ ليلةٍ في مقاره وقادته وأنصاره، إنه الفرق بين دول «استقرار الدولة» ودول «استقرار الفوضى» فدول التحالف العربي تعيش حياةً طبيعيةً هانئةً وكأنها ليست في حربٍ بينما خصومها يعيشون على الفوضى والطائفية والخراب.
من اليوم فصاعدًا سيكون قلب المقاتل الحوثي موزعًا بين قائدٍ مقتولٍ وبيتٍ مهدومٍ ومزرعةٍ محروقةٍ وميليشيا مفككةٍ، وسيفقد تركيزه في الجبهات، وسيجره ذلك لارتكاب الحماقات البراقشية التي ستجر عليه مزيدًا من الأهوال والنكبات، وستتحول ميليشياته إلى عصاباتٍ منبوذةٍ وستلاحق عناصره إحن الشعب اليمني وثارات القبائل وسيصبح أتباعه كعصفٍ مأكولٍ.
الحرب هولٌ وقتلٌ ودمارٌ وخرابٌ وأشلاءٌ ودماءٌ، وهي ليست نزهةً بحالٍ، وهي قرارٌ صعبٌ بالتأكيد، ولكنّها حين تخاض يجب أن تخاض إلى النهاية، ويجب تحمّل كل التبعات الناتجة عنها، وتعزيزها بالنصر بعد النصر والظفر تلو الظفر، والقدرة على التخطيط الشامل لها تعني القدرة على المرونة الكافية للتعامل مع كل مستجداتها وأذيالها، والتحالف العربي المظفر حين قرر دخولها كان قد عمل كل شيءٍ لكسبها، وهو ما حصل بالفعل وما يحصل اليوم وغدًا.
ارتكبت «براقش اليمن» الحوثية مجزرةً الأسبوع الماضي في حي «التواهي» في عدن، وقتلت ما يقارب التسعين من النساء والأطفال المدنيين باستهدافٍ مباشرٍ، مما دفع الشرعية اليمنية للطلب من مجلس الأمن التدخل بقواتٍ بريةٍ لإنقاذ عدن وتعز من جرائم الحرب التي يرتكبها الحوثي، وما لا يعرفه الحوثي أن اليمن يخضع للبند السابع الذي يسمح بالحلول العسكرية.
أخيرًا، فإن الانتصار على «براقش» اليمن مهمٌ، وهو درسٌ لمن يحاول العبث بمصالح الدول العربية وشعوبها، ولمن يعتدي ومن يحاول بسط النفوذ، كما أنه درسٌ للطائفيين والإرهابيين، والشاعر يقول: «وعلى أهلها براقش تجني».
التعليقات