&بعد تعاملها الأمنيّ المعتاد مع الاحتجاجات التي حصلت في مدن الكرد الإيرانيين إثر انتحار فتاة تدعى فريناز خسرواني هربا من محاولة اغتصابها من قبل أحد عناصر الأمن الإيرانيين، حاولت السلطات الإيرانية امتصاص ردود فعل الأكراد الإيرانيين الغاضبة باعتراف المتهم بجريمته.


وقد أشعلت قضية «فتاة مهاباد» من جديد جدل الصراعات القوميّة والمذهبية في إيران، وخصوصاً بين الأكراد، الذين يقاربون العشرة ملايين مواطن ويشكلون 7.1 بالمئة من سكان إيران، ثلاثة أرباعهم من طائفة السنّة.
والمنطقة الكردية تعتبر من أكثر الأقاليم الإيرانية اضطراباً كما تعتبر حركتها القومية من أقدم الحركات تاريخياً، وقد تأثر الأكراد في المنطقة كلها، تأثرا كبيراً بمجريات الاحتلال الأمريكي للعراق ونتائجه، ومنها الحالة الاستقلالية التي كفلها الدستور العراقي الجديد لإقليم كردستان العراق، فقام أكراد سوريا عام 2004 بالانتفاض على سلطة النظام، وتفاعل كرد إيران مع الانتفاضة الكردية السورية بتظاهرات كبيرة دامت ثلاثة أيام في سردشت ومهاباد وباقي مدن كردستان إيران السنية فيما بقيت المناطق الشيعية فيها هادئة.


أثناء تظاهرات عام 2004 حرق المتظاهرون فروع مصارف محلّية إيرانية فاعتقلت الشرطة الإيرانية فتاة وقامت بضربها حتى الموت، غير أن مقتلة فتاة مهاباد أكثر استثارة للإحساس بالظلم لتراكب الفعل الجنسيّ المحرّم (محاولة الاغتصاب) مع التعطش الإنساني للكرامة التي تعلو، في حالة فريناز على الرغبة بالحياة، ناهيك عن وقائع الاضطهاد المركّبة الأخرى التي يمثّلها اعتداء عنصر أمن على فتاة تمثّل العنصر الأضعف في شعب يتطلّع الى حرياته الإنسانية كما القومية والوطنية.
يضاف إلى رمزيّة حدث فريناز خسرواني رمزية أخرى كون الواقعة حصلت في مدينة مهاباد التي كانت عاصمة جمهورية كردية أنشئت عام 1946 وشكلت حكومتها الخاصة لكنها لم تدم أكثر من ثلاثمئة وثلاثين يوما انتهت بإعدام رئيسها قاضي محمد في الساحة العامة للمدينة بعد إعادة الجيش الإيراني احتلال المنطقة وكسر أول تجربة لتأسيس دولة كردية في الشرق الأوسط.
أحداث الاحتجاج المتكررة للأكراد الإيرانيين، رغم طابعها القوميّ الخاص، لا يمكن فهمها إلا من خلال ترابطها وجدلها مع حراك القوميات الأخرى في إيران، مثل الترك الأذريين (نحو 15 مليونا وأغلبهم شيعة)، والعرب (حوالي 3،5 مليون، وأربعة أخماسهم شيعة)، والبلوش (نحو 3 ملايين أغلبهم سنة)، والتركمان (نحو 400 ألف، وأغلبهم شيعة).


بسبب قيام الدولة الإيرانية على اجتماع العاملين الديني (ولاية الفقيه) والقومي (الفارسي) تتعرض هذه القوميات لاضطهادات مركّبة فالدستور الإيراني يعترف بكون الزرادشت واليهود والمسيحيين أقلّيات لكنّه يغفل المسلمين السنّة تماماً، وهم ممنوعون من بناء المساجد والصلاة بحسب شعائرهم، ناهيك عن قائمة كبرى من أشكال الإقصاء والقمع والاضطهاد.


وأدّت الثورة الإيرانية ومفاعيلها اللاحقة إلى صنع بناء للسلطة لا يخضع الأقوام والإثنيات والمذاهب كلّها فحسب لبنية مستبدّة هرميّة، بل يوزّعها بطريقة تضمن سيطرة السادة الموسويين (وهم المعتبرون ذرية الإمام السابع للشيعة)، ويليهم في المرتبة أهل أصفهان وفارس ويزد، ويعدّ سكان المدن الثلاث هذه 10 بالمئة من سكان إيران كلها، يتولون 75 في المئة من المناصب الراجحة، فيما يتولّى الشيعة، وهم 85 بالمئة من سكان إيران كل المناصب النافذة.
بهذا المعنى فإن محاولة اغتصاب فتاة مهاباد ليست إلا تفصيلا شكلياً في عملية منظمة لآلية استبداد ممنهجة هرميّة، تخدم نسبة ضئيلة من الإيرانيين بتوظيفها الرشى المتصاغرة تدريجياً وبتوظيفها للأيديولوجيا الدينية والحماس الطائفي والقومي لضخّ الدماء في دولتها وفي مشاريع امتدادها المؤثرة في المنطقة العربية والعالم، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن أحداثاً فرديّة مثل هذه قد تكون الشرارة التي ستشعل ناراً كبرى.
&