اعتراف الفاتيكان بفلسطين ورفع راهبتين منها لكرامة القديسين… علامة على الطريق
وديع عواودة
&تحتفل الكنيسة الكاثوليكية اليوم الأحد في كنيسة «مار بطرس» داخل الفاتيكان بإعلان قرارها بالاعتراف براهبتين فلسطينيتين راحلتين لمنزلة قديسة بعد ثبوت فضائلهما واجتراح كل منهما معجزة في إشفاء مرضى.
وكان قداسة البابا فرنسيس قد أعلن قبل شهور قراره المصادق على طلب الكنائس الكاثوليكية في القدس وقرار المجمع الحبري في روما المسؤول عن قضايا القديسين بصورة رسمية، رفع راهبتين فلسطينيتين إلى «كرامة القديسين»، فتكونان مثالا للمؤمنين في كنيسة الأرض المقدسة وفي العالم كله.
والحديث يدور عن الراهبة مريم باوردي المولودة في بلدة عبلين شمال فلسطين عام 1846 والمتوفاة في بيت لحم عام 1878، وعن الراهبة ماري ألفونسين دانيل غطاس المولودة في القدس عام 1843 والمتوفاة فيها أيضا عام 1927.
وجرت العادة في الكنيسة، منذ القرون الأولى للمسيحية، إعلان «قداسة» بعض المؤمنين أو المؤمنات الذين يعيشون حياة إنسانية ومسيحية مثالية، كانوا مثالا في التعبد لله، وفي محبتهم لجميع خلائق الله.
ويتم مثل هذا الإعلان بعد دراسات طويلة ومدققة في سيرتهم تمتد على مدى سنوات طوال للتأكد من صحة فضيلة المؤمنين، الذين تعرضهم الكنيسة ليكونوا مثالا يقتدى به لجميع المؤمنين في العالم كله.
ويوضح البطريرك ميشيل صباح لـ «القدس العربي» أن إعلان الكنيسة عن رفع راهب أو راهبة لمنزلة القداسة يستغرق أحيانا عقودا وأحيانا قرونا ريثما يتم تحليل ودراسة سيرة حياة المرشح أو المرشحة لهذه المكانة.
ويقول إن الكنيسة تستعين بخبراء وأخصائيين نفسيين لهذا الغرض بغية التثبت من أن المعجزة المنسوبة للراهب أو الراهبة فعلا حقيقية وهي منة من الله. واوضح أن كون الرهبان المرشحين للقداسة يكونون أقرب للّقب كلما اتسمت حياتهم بالبساطة ومحبة الآخرين وليس العلاقة بأعمال خارقة فحسب.
ويؤكد البطريرك صباح أن معجزة الراهبة ألفونسين تتعلق بسيدة فلسطينية من قرية كفركنا في الجليل يئس الأطباء من حالة ابنها الذي أصيب جراء صعقة كهربائية قبل شهور. فتوجهت بنصيحة راهبة قريبة لها بطلب الشفاعة من الراهبة ألفونسين.
وإميل الياس (38) مهندس من بلدة العجيبة الأولى كفركنا وهو جار لكاتب هذه السطور وقد تعرض فعلا لصعقة كهربائية من تيار بقوة 30 ألف فولت خلال عمله فتشنج جسمه وغاب عن الوعي مدة يومين. وحينما نقل للمستشفى كان قلبه قد توقف عن النبض وانقطع نفسه وشحب لونه.
الأب فرنسوا ماريا راعي طائفة اللاتين في كفركنا حيث أنجز سيدنا المسيح عجيبته الأولى بتحويله الماء للخمر، يوضح لـ «القدس العربي» أنه قد صلى وكثير من الرهبان والراهبات وأمهات البلدة يوم الإعــلان عن تــطــويب مريم بواردي وطــلــب شـفـــاعتها كي يشفي إميل.
وتابع: «ابتهلنا لله وللراهبة مريم بأن تصنع عجيبة ويشفى إميل». وهذا ما حصل حين نزع المهندس إميل الياس الماكنات الطبية عن جسده ونهض من سريره وفاجأ الجميع وما زالت علامة الإصابة بحروق في أسفل قدمه لليوم وهذا ما يعتبره الأب فرنسوا دليلا للفاتيكان. وتخلص إميل من إصابته بشهادة أطباء قدموا تقارير علمية عن حالته وقد قبلها الفاتيكان.
أما زميلتها الراهبة مريم بواردي المعروفة جيدا في العالم المسيحي فقد طيّبت طفلا مولودا في جزيرة صقلية التف حبل الصرة حول عنقه وكاد يخنقه. لكن شفاعتها أنقذته وهذا أيضا بشهادات طبية. ويستذكر البطريرك صباح أنه لجانب العجائب تراجع الكنيسة سيرة حياة الراهب وتتأكد من خلوها من أي شائبة.
كما يوضح أن هناك مئات القديسين في الكنيسة الكاثوليكية أولهم الشهداء ممن ضحوا بأنفسهم من أجل المسيح والمسيحية وهم لم يحتاجوا لعجيبة أو دراسة سيرتهم.
وهناك أيضا بعض الملوك والأمراء منهم الملك الفرنسي لوي التاسع الذي أعلنت قداسته بعد حياة نقية فاضلة وظف فيها قدراته لحب وخدمة الآخرين بشكل بطولي. وهذه برأي البطريرك هي الميزة الأساسية للمسيحية.
ويضيف: «ولذا يهدف خلع صفة القداسة من قبل الكنيسة كي يكون القديس قدوة وشفيعا. وشهد تاريخ الكنيسة إعلانها عن رهبان عرب قديسين أبرزهم بطريرك القدس صفرونيوس والذي سلمها للخليفة عمر بن الخطاب وبعده يوحنا الدمشقي الذي خدم في دواوين الأمويين وحديثا أعلن عن رهبان لبنانيين أمثال مار شبل وما ثقلا».
وسيتم اليوم الاحتفال برفع الراهبتين المذكورتين لمنزلة القداسة بمشاركة لفيف من رجال الدين من فلسطين والشرق وبمشاركة السيدة من كفركنا وابنها.
ويشير صباح الى أن بطريرك اللاتين في فلسطين فؤاد طوال سيقرأ أولا طلب المصادقة على ترقيتهما لمنزلة قديس بعد ثبات فضائلهما وعجائبهما. وعندئذ سيقوم الحبر الأعظم بإعلان مصادقته وإقامته صلاة خاصة بهذه المناسبة التي تثير اهتماما واسعا في فلسطين والعالم.
باسل غطاس
وعلاوة على رجال دين كثر من فلسطين والشرق سيشارك عدد من المثقفين والسياسيين الفلسطينيين منهم القيادي في التجمع الوطني الديموقراطي النائب د. باسل غطاس وبناء على دعوة الفاتيكان في الاحتفال التاريخي بتطويب الراهبتين الفلسطينيتين.
ويعتبر النائب غطاس أن يوم 17.05.2015 هو يوم فلسطين في الفاتيكان كونه يوما تاريخيا اذ يجري لأول مرة رسم راهبتين فلسطينيتين كقديستين في الكنيسة الكاثوليكية. ويقول غطاس لـ «القدس العربي» ان «الفرحة فرحتان لأن تطويب الراهبتين الفلسطينيتين يتزامن مع اعتراف الفاتيكان بفلسطين ومع الذكرى السنوية للنكبة».
ويشيد النائب غطاس بإعلان الفاتيكان رسميا عن اعترافه بدولة فلسطين ويرى بالأمرين اعترافا دوليا مهما بفلسطين وبقضيتها العادلة وأنه سيساهم في عزل إسرائيل خاصة تحت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
ومن المفترض أن يلتقي غطاس على هامش الاحتفال عددا من المسؤولين في الفاتيكان حيث سيطرح عليهم عددا من القضايا المتعلقة بأوضاع عرب الداخل وخاصة قضية هدم البيوت والتهجير والمصادرة وكذلك قضايا المهجرين في الداخل على وجه الخصوص قضية إقرث وبرعم.
القديسة العربية الصغيرة
ولدت مريم باوردي المعروفة بالعالم بـ « القديسة العربية الصغيرة « وبـ «مريم يسوع المصلوب» في 5 يناير / كانون الثاني 1846 في عبلين (الجليل – فلسطين) واسمها في العائلة ماري باوردي. أبوها جريس بواردي وأمها مريم شاهين، والأسرة فقيرة وهي من أبرشية الروم الكاثوليك. وقد مات اخواتها الاثنا عشر وهم أطفال، وولادة مريم كانت استجابة لصلوات والديها لسيدتنا مريم العذراء.
عندما توفي والداها كانت في الثانية من عمرها، فربّاها عمها، وانتقلت معه للعيش في الاسكندرية في مصر، وهي في الثامنة من عمرها. أراد عمها تزويجها وهي في الثالثة عشرة من عمرها، فأبت وقررت أن تكرس نفسها لله والالتحاق بالحياة الرهبانية.
فغضب عمها وأجبرها على العمل خادمة في إحدى العائلات. وكان يعمل معها خادم مسلم، وكان يتعامل معها كصديقة بهدف اقناعها أن تتخلى عن مسيحيتها. في 18 أيلول 1858، أقنعته مريم أنها لن تتخلى أبدًا عن ايمانها، فدقّ عنقها ورماها في مغارة وفقا للرواية التاريخية الشفوية. وطبقا للتقاليد المسيحية ظهرت مريم العذراء لها وضمدت جراحها وقادتها إلى كنيسة في الإسكندرية وبعد ذلك تركت منزل عمّها، وأخذت تعمل خادمة في عائلة مسيحية.
وتنقلت بين الإسكندرية وبيروت وفرنسا، بحسب العمل المتوفر لها. وفي عام 1860، التحقت براهبات مار يوسف، وفي عام 1867 التحقت بالرهبنة الكرملية في فرنسا في مدينة «بو» (جنوب فرنسا) متخذة اسم «مريم يسوع المصلوب» ونذرت نذورها الأخيرة في 21/11/1871. ومن فرنسا، من مدينة «بو»، سافرت مع الراهبات اللواتي توجهن إلى الهند لتأسيس دير للراهبات الكرمليات هناك ومن الهند، أرسلها رؤساؤها إلى بيت لحم حيث أسست دير راهبات الكرمل القائم حتى اليوم. وتؤكد المصادر المسيحية أنها كانت في غاية البساطة والتواضع، ولكن إيمانها بالله كان في منزلة إيمان القديسين.
وقد منحها الله مواهب روحية خارقة ومعجزة. وكانت تعيش حياة إيمان عميق جدا أثار إعجاب ودهشة كل من عرفها، سواء الراهبات أخواتها معها في الدير أم العمال الذين عرفوها في أثناء بناء الدير الجديد.
توفيت في بيت لحم في 26 اب سنه 1878ودفنت في مقبرة الدير الذي أسسته. وبتاريخ 13 نوفمبر / تشرين الثاني عام 1983، بعد أن تمت دراسة حياتها وثبتت فضائلها وحياة الإيمان والمحبة فيها، وبعد أن نال البعض الشفاء بشفاعتها، أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني «طوباوية»، وهي المرحلة الأولى قبل إعلان «القداسة».
سلطانة غطاس
ولدت عام 1843 في القدس، واسمها في العائلة سلطانة. اختارت عام 1860 الحياة الرهبانية مع راهبات مار يوسف العاملات حتى اليوم في القدس ورام الله وبيت لحم وأماكن أخرى في البلاد. وأبرزت نذورها الابتدائية عام 1863.
وقامت أولا بتعليم اللغة العربية لمدة سنتين في القدس، أسست خلالها أخوية تقوية باسم «سيدتنا مريم العذراء الكلية الطهارة»، وأنشأت للأمهات «أخوية الأمهات المسيحيات». ثم نقلت من القدس إلى بيت لحم.
وفي أثناء حياتها الرهبانية مع راهبات مار يوسف، رأت الحاجة إلى تأسيس رهبنة محلية عربية للاهتمام بالمرأة المسيحية العربية. وقد وافق بطريرك القدس اللاتيني، منصور براكو، على طلبها، فأسست «راهبات الوردية المقدسة» عام 1883 برفقة ثماني فتيات أخريات. وكان مرشدها أحد كهنة البطريركية اللاتينية وهو من الناصرة، الأب يوسف طنوس.
وقد تمت الموافقة على قوانين الرهبنة عام 1897 ونمت الرهبنة بسرعة وازداد عدد أعضائها وأخذت تخدم وتسهم مساهمة فعالة في تربية المرأة في مختلف رعايا البطريركية اللاتنية في فلسطين والأردن ولبنان وسوريا.
وأصبحت الرهبنة عام 1959 ذات صفة «حبرية» أي عالمية، مع أنها حصرت نفسها في البلدان العربية فقط. خدمت الأم ماري ألفونسين ضمن مهمة التدريس والإرشاد في الناصرة والسلط وغيرها من الأماكن، وأخيرًا استقرت في عين كارم حيث توفيت عام 1927. وقد تميّزت «بالحب والتواضع والصمت والبذل والعطاء».
تم إعلانها «طوباوية» في 22 تشرين الثاني / نوفمبر 2009، بعد موافقة البابا بندكتس السادس عشر، وهذا يعني الاعتراف الرسمي، بعد الدراسات الدقيقة والطويلة في سيرتها، بأنها عاشت «الفضائل المسيحية» أي الإيمان والرجاء والمحبة بدرجة بطولية خلال حياتها الأرضية. وتؤكد الكنيسة أنه قد ثبتت صحة أعاجيب الشفاء التي نالها بعض المؤمنين بشفاعتها.
يشار أن الفاتيكان اعترف بفلسطين دولة مستقلة ووقع وثيقة بهذا الخصوص مع الرئيس محمود عباس، ما أثار في إسرائيل خيبة أمل واعتبرته أمرا لا يساهم في خدمة « مسيرة السلام».
&
&
التعليقات