الياس الديري

ثمة مواقف كلاميّة أميركيّة تحتاج أحياناً إلى خارقين في المعرفة والعلم والاستنتاج. مواقف الرئيس باراك أوباما في حديثه الطويل إلى أول جريدة عربية ("الشرق الأوسط") يضع القارئ أياً يكن موقعه في حيرة من أمره، وأمر الرئيس الأميركي، وأمر هذا الكلام الذي ينقضه واقع الحال وواقع السياسة وواقع الأفعال على الأرض.

ماذا تريد أميركا أوباما، الرئيس شبه المنبوذ، أن تقول لدول الخليج العربي، وللعالم العربي بصورة عامة، عبْر قمة كمب ديفيد، وهي لا تزال تكتفي بموقف المتفرِّج على المجازر والكوارث والمآسي في كل من سوريا والعراق وليبيا، وعلى دور إيران العسكري في هذه الدول فضلاً عن اليمن؟

وما هي حجّتها السياسيّة حين تتفرّج على بلد كلبنان مفرَّغ من رئاسة الجمهوريّة، ومعطّلة دولته ومؤسّساته الدستوريّة، ومشلولة حركته الاقتصادية، ومتوقفة دورة الحياة الطبيعية في كل أرجائه ودساكره... بقرار صارم تعرف واشنطن جيداً ان حبيبة قلبها طهران هي مَنْ أصدره، ومَنْ يسهر على تنفيذه؟ وماذا عن الرئيس أوباما الذي قفَزَ رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو فوق سطح البيت الأبيض في الذهاب إلى مجلس الشيوخ والإياب منه من دون الوقوف على رأي الرئيس وفق ما تنصّ الأعراف، ومن إقامة أي اعتبار لرأيه في هذه الزيارة و"أبطالها" الاميركيّين والإسرائيليّين.

لا يشكُّ العرب في نيّات أوباما ورغباته وتمنيّاته، إنما يشكون من سكوته عن كل ما يحصل في العالم العربي، ومن تراجعاته عن كل قراراته وأوامره بالنسبة إلى سوريا وأحداثها ونظامها، كما بالنسبة إلى العراق وتجاذباته التي لا تختلف عن المآسي، كما بالنسبة إلى الدور الإيراني المثير للشبهات والشكوك في هذين البلدين، كما في لبنان واليمن.

توقّفنا طويلاً عند التهجّمات المحقّة والقاسية والصريحة التي وجهها الرئيس الأميركي إلى إيران، وقوله "إن إيران دولة راعية للإرهاب والخليجيين والعرب معهم حق حين يقلقون منها".

إلا أن ذلك لم يمنعه من التأكيد أن اجتماعاته مع المسؤولين الخليجيين تشكّل فرصة "للإعلان أن دولنا تعمل معاً بشكل وثيق من أجل مواجهة تصرّفات إيران التي تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط".

إنما، وفي سياق الكلام البارد وشبه المفرّغ من "الضمانات" التي تتكفّلها الدول الكبرى أحياناً، لم ينسَ إعادة التذكير بأن إيران "تدعم الجماعات الإرهابية. وعلى هذا الأساس فإن دول المنطقة على حقّ في قلقها العميق من نشاطات إيران". كأنه عاجز مكبّل اليدين، أو يائس ممن يجلسون خلف الستارة، أو يعترف بنصف الحقيقة...

وما يثير الفضول والتساؤلات والحيرة قول أوباما في ختام مسلسل الاتهامات لإيران: "حتى ونحن نسعى إلى اتفاق نووي معها نبقى يقظين من تصرّفاتها المتطرّفة".

هل يحاول أوباما أن يغسل يديه من تدمير الشرق الأوسط، أم تراه عاجزاً عن التصدّي لطموحات إيران الإمبراطورية، حتى في مسألة الفراغ الرئاسي في لبنان؟