الرياض - «الحياة»: الأمير سعود الفيصل الذي ترجل من منصبه وزيراً للخارجية في السعودية أخيراً، هناك ما يشبه الإجماع على إيجابية الأدوار التي قام بها منذ أن تولى منصبه قبل 40 عاماً - في عام 1975- وهي فترة شهدت سلسلة من الأزمات الإقليمية والتحولات الدولية، كادت تعصف بالهوية العربية والإسلامية، لولا الدور الذي لعبته السعودية وسياستها الخارجية.

تولى الأمير سعود رئاسة الديبلوماسية السعودية في مرحلة كانت الأمة العربية لا تزال تعاني من مرارة وآثار النكسة التي تعرضت لها بحرب عام 1967، والتي تحملت بلاده السعودية مسؤولية سياسية وديبلوماسية واقتصادية وعسكرية كبيرة في مواجهة تلك الآثار، وخلالها لعبت السياسة السعودية دوراً أساسياً في إدارة الصراع العربي - الإسرائيلي من خلال محاور شتى شملت الجامعة العربية والأمم المتحدة والعلاقات الثنائية والدولية، إذ إنها لم تكن غائبة عن النشاطات والفعاليات الرامية لمعالجة تبعات تلك الحرب، لا سيما قضية استعادة الأراضي العربية المحتلة، بل إنها قدمت بذلك مبادرات جوهرية شتى؛ منها المبادرة العربية للسلام في عام 2002.

أنجز الدكتور مطلق سعود المطيري؛ قراءة تحليلية لخطاب الأمير سعود الفيصل، ركز فيها على الملامح العامة للنظرية الإقناعية للأمير، مقدماً في الكتاب الذي أنجزه بهذا الخصوص رؤى وطرحاً مختلفاً؛ لتحليل الخطاب «الفيصلي» بما يحقق أكبر قدر من الموضوعية والحيادية حول الملامح العامة للنظرية الإقناعية لوزير الخارجية السعودي السابق.

عنوان الكتاب: «استراتيجيات الإقناع السياسي- قراءة تحليلية لخطاب الأمير سعود الفيصل» صدر عن دار مملكة نجد للنشر والتوزيع، وقدم له الصحافي والكاتب العراقي صلاح النصراوي، الذي شدد في تقديمه على أن الكتاب يمثل إسهاماً في ميدان معرفي مهم يرتبط بحقول عدة، تشمل السياسة والديبلوماسية والأمن القومي وعلم الاجتماع والإعلام وفنون الاتصال، بل تتعدى ذلك إلى التاريخ، من خلال تسليط الأضواء على جانب مهم من حياة وعمل شخصية استثنائية. ورأى النصراوي أن الإقناع كديناميكية وكوسيلة لإيصال مضمون الخطاب السياسي للأمير سعود أسلوب مقصود ومدبر، وهو ناتج من القناعة بأن مفهوم الخطاب، كما يعرفه علماء الاتصال، يرتكز أساساً على فكرة التواصل بالأفكار في شأن قضايا جديدة، مثلما هو تعبير عن العقلانية وعن أعمال القدرة على التفكير.

وزاد النصراوي بالقول: «إنه إذا كانت السياسة هي استمرار الحرب ولكن بطرق أخرى، أو أنها فن الممكن، وإذا كانت الديبلوماسية كما تتفق معظم التعريفات أنها فن ومهارة وممارسة وإقامة وتطوير العلاقات بين الدول وفن التعامل بين الناس والتوصل إلى اتفاقات بينهم، فإن فن الإقناع بالنسبة إلى أي سياسي أو ديبلوماسي يظل محكوماً بالقواعد العامة لهذين الميدانين، وليس خروجاً عنهما. فالإقناع هنا، وكما أظن أن الأمير سعود الفيصل يمارسه ويسعى إلى ترسيخه، هو ليس استنفار المشاعر وإلهاب العواطف، بل هو فن فهم الواقع وإفهامه».

وذكر المؤلف المطيري أن الأمير سعود الفيصل يعد أحد أبرز أسماء وزراء الخارجية في الدول العربية في العصر الحديث، إذ لعب أدواراً تاريخية، وشارك في اتخاذ قرارات عدة أثرت ليس في التاريخ ومستقبل السعودية فحسب، بل في مستقبل المنطقة برمتها، فكان وبحق عميد ديبلوماسيي العالم، إذ شغل منصب وزير الخارجية منذ عام 1975، وهو ما أكسبه من الخبرات ما يستطيع به التعامل بحنكة وكفاءة مع كل القضايا التي تواجه بلاده، أو الأمة العربية والإسلامية، أو تلك التي تهدد مصير الأمن والاستقرار العالمي.

واعتبر أن السمات الشخصية للأمير سعود الفيصل، وخبراته العملية والعلمية وتوجهاته الفكرية والعقدية لم تكن هي العامل الوحيد الذي جعل منه أبرز وزراء الخارجية العرب، وإنما كانت هناك عوامل واعتبارات موضوعية أسهمت في ذلك أيضاً، لعل أبرزها: السياق السياسي المتمثل في النظام السياسي للسعودية، القائم على قدر كبير من توزيع الأدوار وتكاملها بين مختلف مؤسسات الدولة، وهو ما أعطى وزارة الخارجية دوراً فاعلاً في صياغة السياسة الخارجية للسعودية، بالتعاون والتنسيق مع مختلف الوزارات والمؤسسات وبإشراف القيادة وتوجيهها، كما أن هناك سياقين مكانياً وزمانياً ممثلاً بما تملكه السعودية من ثقل سياسي واقتصادي وديني؛ يمنح كل من يشغل هذا المنصب مساحة واسعة للتحرك، والعديد من الأوراق السياسية الذي تمكنه من المناورة بما يخدم المصالح الوطنية للسعودية والمصالح القومية للعالم العربي، كما أن المرحلة التاريخية التي تولى فيها الأمير سعود الفيصل منصب وزير الخارجية، وهي مرحلة شهدت تطورات إقليمية ودولية، فرضت تحديات خطيرة على المملكة والمنطقة العربية، وهو ما أضفى أهمية غير مسبوقة على التحركات والمواقف التي يتبناها وزير خارجية السعودي، والتي كانت تمثل في أحيان كثيرة نقاطاً مفصليةً في مستقبل السلم والأمن الدوليين؛ بداية من موقف السعودية من غزو السوفيات لأفغانستان، ومروراً بالحرب العراقية وحرب تحرير الكويت، وانتهاء بالحملة الدولية لمكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا، التي كان لموقف المملكة منها أهمية بالغة في تحديد الخريطة السياسية والجيوسياسية ليس للمنطقة فحسب، وإنما للعالم أجمع -استجدت قضايا تدخل في هذا السياق، مثل الربيع العربي والوضع في العراق حالياً، والأحداث في سورية، إذ إن الكتاب المؤلَّف عام 2008، وأعيدت طباعته العام الماضي-.

وكشف الكتاب عن القضايا الرئيسة والفرعية، التي تمحور حولها خطاب الأمير سعود في فترة الدراسة والتي بلغت 14 قضية، تنوعت بين قضايا دولية، وإقليمية، ومحلية، لافتاً إلى أن القضايا الإقليمية احتلت المرتبة الأولى بين إجمالي القضايا التي ركز عليها الوزير الفيصل في خطاباته، بنسبة 42.8 في المئة، يليها القضايا الدولية بنسبة 34.8 في المئة، وأخيراً جاءت القضايا الخاصة بالسعودية بنسبة 26.5 في المئة.

وركز خطاب الأمير سعود الفيصل على القضية الفلسطينية في ما يخص القضايا الإقليمية، ويليها القضية العراقية ثم القضية اللبنانية، التي جاءت في ثالث قائمة اهتمام السياسة الخارجية السعودية إقليمياً، أما القضايا الدولية فركز خطاب الأمير سعود الفيصل على مكافحة الإرهاب، لا سيما بعد اتهامات مزعومة وجهت إلى السعودية بأنها دولة تفرخ الإرهابيين بعد «أحداث 11 سبتمبر»، وسعى الوزير السعودي إلى تصحيح مفهوم الإسلام وعن المجتمع السعودي، إذ بدت الصورة في الإعلام الغربي وكأن الإسلام هو المسؤول عن الإرهاب في العالم، إذ سعى الوزير بالتأكيد على أن الدين الإسلامي صمام أمان من التطرف والفوضى، وأن الأصوليين الثوريين في العالم هم نتاج العلمانية وليس نتاج القيم الإسلامية.

وأشار المؤلف إلى أن أهم خمس قضايا ركز عليها الأمير سعود في خطاباته هي على الترتيب: التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب بنسبة 16.6 في المئة، يليها القضية الفلسطينية وتداعيات الصراع العربي-الإسرائيلي بنسبة 15.8 في المئة، ثم القضية العراقية وتطوراتها بنسبة 12.5 في المئة، وعلاقات التعاون الثنائية بين السعودية والدول الغربية بنسبة 10 في المئة، وأخيراً تتساوى الأزمة اللبنانية، والسعي نحو تصحيح المفهوم الغربي عن الإسلام في مرتبة واحدة بنسبة 7.5 في المئة.

وخلص المؤلف إلى نتائج عدة، تشكل في مجملها ملامح النظرية الإقناعية لدى الأمير سعود الفيصل وأولها: ضرورة الاهتمام بترابط بنية الخطاب السياسي مهما تعددت المستويات والأبنية الفرعية داخله، إذ يعد هذا الترابط أحد استراتيجيات الإقناع اللغوي وبعده العقلي والعاطفي، إضافة إلى ملمح يتمثل في استخدام المفاهيم بدقة متناهية، وتعامله بحرص شديد مع دلالتها وما تستدعيه من أفكار وأحكام ذهنية لدى متلقي الخطاب ومستمعيه، والتوظيف الدقيق والناجح لكل ذلك من أجل إيصال الرسالة المبتغاة بدقة وسرعة؛ تضمن الهدف الرئيس من ذلك الخطاب، وهو ما يتطلب مراعاة السياقين السياسي والجغرافي وطبيعة الجمهور المستهدف ومواكبة التطورات التي يشهدها العالم.