حسان حيدر

يستعرض رجب طيب أردوغان جذِلاً حرساً «عثمانيا» في أزياء أخرجها من المتاحف، ويتباهي رجال خامنئي بأنه صار لـ «امبراطوريتهم» منفذ على شرق المتوسط، ويفخر «الخليفة» البغدادي بأن «دولته الاسلامية» العابرة للحدود تتوسع وصار لها ممثلون خارج سورية والعراق.

يلتقي هؤلاء حول خرافة إعادة بناء الامبراطوريات، ويختلفون في كل شيء آخر. وفي وهمهم هذا، ينطلق كل منهم من معطيات ووقائع متباينة ويسعى الى أهداف مختلفة: فالتركي يحاول عبثاً تجميل تاريخ مليء بالسواد، عامل العثمانيون خلاله الشعوب التي اخضعوها بالبطش والعسف والسبي والتجنيد والتهجير، وكان هدفهم الوحيد اثبات تفوق العنصر التركي على سواه من رعايا الخلافة، أياً كانت جنسيتهم أو دينهم، بمن في ذلك المسلمون الذين حكموا باسمهم.

وعندما تمكن الاسلاميون من حكم تركيا قبل عقد ونيف، اعتبروا ان خلاصهم من أزمة الهوية التي عاشوها منذ قيام جمهورية اتاتورك يكمن في إحياء حلم العثمانية ودغدغة مشاعر مواطنيهم المستائين من حصار بلدهم بين رفضين اوروبي وعربي، وفي العودة الى المشرق من بوابة الدين و»الإرث المشترك».

وظن اردوغان ومنظروه ان حصانهم الرابح سيكون جماعة «الاخوان المسلمين» المرذولة بسبب عنفها وسعيها الدائم للإمساك بالسلطة في أي بلد عربي متاح وبأي وسيلة كانت، وان الدين هو البوابة التي ستتيح لهم الانتقام من «خيانة» القوميين العرب إبان الحرب العالمية الأولى.

لكن تبين مع الوقت ان مفعول «العثمانية» سيقتصر على الاتراك وحدهم، بعدما فشل «الاخوان» في مصر والخليج، ولم ينجحوا في ليبيا، واتضح ان بعض النفوذ الذي تتمتع به أنقرة لدى فصائل «إخوانية» في سورية مرتبط باستمرار الحرب الاهلية ويرجح ان لا يدوم بعدها. ولهذا لم يبق امام اردوغان سوى «الفولكلور العثماني» يهدئ خاطره ويشغل انصاره عن الواقع المحبط.

اما الايرانيون فلديهم حلم آخر: استخدام بعض الطوائف والمذاهب حواضن للنفوذ ومنصات للتدخل بهدف تفتيت العالم العربي والامساك بقراره، حتى لو كانت النتيجة حروباً أهلية واقتتالاً مذهبياً. فالمهم ان تستطيع طهران مفاوضة العالم على دور يتخطى الحدود ويعيد بعض مجدها المنقضي، وان تنتقم ضمناً من الذين انهوا امبراطوريتها التاريخية.

لكن بعد اربعة عقود تقريباً من حكم «آيات الله»، تبدو ايران المحاصرة في تراجع سياسي واقتصادي وعسكري، واتباعها في وضع دفاعي في اليمن ولبنان وسورية وحتى العراق، ويبدو مستقبل «الجمهورية» متوقفاً على رضا «الشيطان» الاميركي الذي بنت سمعتها على محاربته و»موته».

اما «داعش» الذي يمعن في تقطيع أوصال الدول والناس، فليس في وضع افضل على رغم التوسع العسكري المشبوه على الارض، ذلك ان «دولة الخلافة» التي يدعو اليها ليست سوى تشويه مغرض للفكرة، وتتناقض مع أبسط حقوق الانسان التي باتت معياراً لقدرة أي حكم على الاستمرار. ويمكن الاستدلال إلى هشاشة «الدولة» المزعومة من عدم تجرؤ «خليفتها» نفسه على الظهور علناً في «دولته» التي يحاربها العالم.

ومثلما عاش نظام «طالبان» في افغانستان عزلة دولية، قبل ان يسقطه الاميركيون، ومثلما يقاطع العالم حالياً نظام كوريا الشمالية المتداعي من داخل، فإن دولة «داعش» لن يكون مصيرها افضل، ولن تستطيع الصمود طويلاً مع عدائها للتاريخ والجغرافيا والايديولوجيا ولسائر الاعراق والاديان والطوائف.

لعل من سوء حظ الاجيال الحالية في الشرق الاوسط انها تعيش في ظل أوهام «العثمانية» و»فارس» و»داعش» القاتلة، لكن من حسن حظها انها ستشهد ايضاً تهافت الخرافات الثلاث.