حسين شبكشي

ويستمر مسلسل «تبعات أزمة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)»؛ فبعد أيام قليلة جدا من انتخابه رئيسًا للاتحاد الدولي لكرة القدم، قدم رئيس الاتحاد الفائز السويسري سيب بلاتر استقالته بشكل مفاجئ، وبرر تصرفه هذا بأنه شعر «بأنه لا يوجد إجماع كافٍ عليه»، وود أن يعطي الفرصة لغيره. هذا ما قاله «رسميا»، ولكن ما خلف الكواليس هناك «قصة ساخنة جدا» تشتعل وتتواصل، فاليوم توجد ضغوط هائلة على جاك وارنر السياسي ورجل الأعمال المتحدر من جزيرة ترينيداد وتوباغو، وهو عضو اللجنة التنفيذية في «فيفا»، وعليه مطالبة من الشرطة الدولية المعروفة باسم «الإنتربول» باعتبار أن تشاك بليزر العضو الأميركي في «فيفا» سرب اسمه في التحقيقات التي طالته من الادعاء العام الأميركي، وقرر «التعاون» معهم، وبدأ في تسريب المعلومات التي تدين بعض أهم الأشخاص في «فيفا»، ولكن تصريحات وارنر تعتبر الأهم، حيث أكد أنه «لن يسقط وحيدا»، وأن لديه وثائق مؤكدة وبراهين وأدلة تؤكد تورط العديد من أسماء أعضاء «فيفا» من العيار الثقيل جدا، بمن فيهم سيب بلاتر نفسه.


اليوم يتم التعامل مع المتورطين في قضية «الفيفا» (والملاحقين منهم رسميا حتى الآن) بأسلوب عصابات المافيا، عندما يأتون لأحد «الصغار» ويقبضون عليه، ويسمونه في لغة المافيا «الكناري»، على اسم أحد الطيور، وعندما يبدأ في الاعترافات الخطيرة، يطلقون على ذلك الأمر أنه بدأ في «الغناء»، والآن دخل جاك وارنر وصلة الغناء، وبدأ في توريط الاتحاد الأسترالي (الذي دفع دفعة) في محاولة الحصول على حق استضافة البطولة، ولكن لم يفز، وعلق أحد أعضاء الاتحاد: «إننا فعلنا ذلك على اعتبار أن ذلك (عادي)، مثلما حصل معنا مع اللجنة الأولمبية في منافسات استضافة الدورة الأولمبية في سيدني»، ويبدو إلى الآن أن الملف الساخن التي تحوم عليه الأدلة والاتهامات هو ملف استضافة جنوب أفريقيا للبطولة، وكذلك استضافة فرنسا لها، وإلى الآن لم يتم فتح ملف استضافة روسيا وقطر، الذي تدور حوله العديد من الافتراضات والتهم والأقاويل المثيرة والغريبة. ما يثير الدهشة أن الدولة الأقل اهتماما بكرة القدم، وهي الولايات المتحدة، يبدو أن تدخلها في شؤون اتحاد اللعبة الدولي سيؤدي إلى إصلاح شامل وجذري وكامل، وهي عملية طال أوانها، وطال انتظارها، وما يدعو للاهتمام من هنا هو أن هناك جدلا يدور معهم على أن العملية الحاصلة الآن سياسية وانتقائية في المقام الأول، تقودها أميركا وإنجلترا لاعتقادهما أنهما حرما من حق الاستضافة على حساب روسيا وقطر، على الرغم (بحسب اعتقادهما) أن ملفيهما كانا الأكثر استحقاقا والأفضل إعدادا والأجدر ترتيبا.


«حق» أميركا في الملاحقة لكل الجرائم التي ترتكب على أرضها (مثل التهرب من الضرائب لتشاك بليزر) أو أي عملية رشوة أو تحويل يتم بـ«الدولار الأميركي»، فيحق لأميركا أن تتدخل وتتهم وتحقق مهما كانت جنسية المعني أو بلد إقامته.


أقوى جهاز في الولايات المتحدة ليس المخابرات الأميركية (CIA)، أو مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، أو وكالة الدفاع الوطني (NDA)، ولكنها ومن دون مبالغة ولا مزاح مصلحة الضرائب (IRS)، فعقوبتها هي الأشد وسلطتها هي الأقوى، واستعصت على عدد غير بسيط من الرؤساء الأميركيين السابقين الذين حاولوا إصلاحها من قبل ذلك، وها هي اليوم تدخل على الخط للتحصيل الضريبي، وتسقط رؤوس الفساد في أكبر منظمة دولية رياضية في العالم. هذا يذكرنا بسقوط أهم وأشهر رجال المافيا في التاريخ، آل كابون، الذي نجحت السلطات الأميركية في القبض عليه، عن طريق محاسبة الذين ألقوا القبض عليه، وتبين أنه لم يسدد الضرائب بشكل دقيق، فسقط، وقضى باقي عمره في السجن.