بيروت - الرأي: لم يتفاجأ زعماء بعض القوى الرئيسية السياسية في لبنان بإعلان رئيس الحكومة تمام سلام إرجاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة قبل ظهر امس، الى غد الخميس، وذلك قبل أقلّ من ثلاث ساعات على موعد انعقاد هذه الجلسة.

ذلك ان المساعي الآيلة الى تبريد الحمّى السياسية والاجتماعية التي تسود الواقع اللبناني كانت قد تكثفت مع مطلع الاسبوع، وبدا ان هناك تفاهماً ضمنياً قد جرى على إعطاء أزمة النفايات الأولوية العاجلة بعدما باتت تداعيات هذه الأزمة تنذر بتوتّرات قد تخرج عن السيطرة او تستلزم تدخلاً من القوى الأمنية بفعل قطْع الطرق ومنها الاوتوستراد الرئيسي الساحلي في منطقة الجية الذي يصل بيروت بالجنوب.

وما جرى في الاجتماعين اللذين عقدتهما اللجنة الوزارية لإدارة النفايات الصلبة برئاسة سلام الاثنين وأفضيا الى اتفاق أعضاء اللجنة الثمانية الممثلين للكتل الرئيسية في الحكومة وبالإجماع على حلّ مرحلي لأزمة النفايات شكل مخرجاً مبتكراً من خارج الأزمة السياسية. اذ ان اللجنة تضمّ ثلث الحكومة وتمثّل جميع مكوّناتها وأمكن التوصل الى حل قبل انعقاد مجلس الوزراء الذي كان يمكن ان تنفجر الامور خلاله لو لم تُطرح اولاً قضية النفايات، الأمر الذي شكل انفراجاً نسبياً على قاعدة الإجماع على معالجة أزمة النفايات وترْك المشكلة السياسية لمجلس الوزراء. ولكن سلام لم يستجب لطلب قدّمه وزراء الحزب «التقدمي الاشتراكي» (بزعامة النائب وليد جنبلاط) بإعلان تأجيل جلسة مجلس الوزراء الاثنين، بل ترك قراره الى صباح الثلاثاء، في رسالة واضحة الى فريق العماد ميشال عون وداعميه ولا سيما منهم «حزب الله» بأنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تقرير مصير الجلسات ومواعيدها وجداول أعمالها وفق ما تنصّ عليه صلاحياته وانه لن يقبل بأيّ انتقاص منها.

وتشير الأوساط الوزارية المعنية عبر «الراي» الى ان سلام كان تبلّغ مواقف صارمة من الفريق السني والفريق المسيحي في قوى «14 آذار» برفْض إرجاء الجلسة لئلا يَظهَر ذلك تهاوناً من سلام حيال الفريق الآخر. لكن رئيس الحكومة اختار طريقة أخرى عبّر فيها عن الموقف نفسه من عدم التهاون، لكنه ترك الباب مفتوحاً ايضاً لتبريد الأجواء وإعطاء الاتصالات والمشاورات فسحة إضافية قبل جلسة الخميس عَلّ «الفريق العوني» وداعميه يراجعون حساباتهم ويتجنّبون حشْر سلام في خانة خيارات صعبة منها الاستقالة او الاعتكاف.

واشارت الاوساط الى ان ما دفع سلام ايضاً الى منْح فسحة الإرجاء هو الموقف العلني الذي أعلنه وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن ليل الاثنين باستنكار ممارسات قامت بها مجموعة شبان ملثّمين محسوبين على ما يسمى «سرايا المقاومة» التابعة للحزب في بيروت برمي نفايات قرب منزل سلام في المصيطبة اضافة الى قطع طرق وافتعال إشكالات في بعض الأحياء. وقد تنصل «حزب الله» من اي مسؤولية له عن هذه الممارسات وأبلغ الى سلام موقفا مباشراً من الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله بهذا المعنى اكد فيها (نصر الله) «حرص الحزب على الحكومة ورئيسها ودوره واحترامه»، نافياً أن يكون لـ «حزب الله» أي علاقة «لا من قريب ولا من بعيد» بما جرى على الأرض. علماً ان المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري الوزير علي حسن خليل زار سلام للغاية نفسها، تأكيداً للحرص على الحكومة ودور رئيسها ورفضاً للارتكابات التي جرت في الشارع.

واشارت الأوساط نفسها الى انه رغم تأجيل جلسة مجلس الوزراء، فان اي شيء جديد لم يُسجل بعد من شأنه ان يشكل ضماناً لمرور الجلسة غداً من دون خَضّة جديدة بمعنى ان كل الاحتمالات والخيارات لا تزال مفتوحة إلا في حال برزت مفاجآت غير محسوبة.

لكن الاوساط لم تستبعد ايجاد صيغة ما يجري العمل عليها وتحفظ مياه الوجه للجميع حول آلية عمل مجلس الوزراء لئلا تتسبب الجلسة بمزيد من التأزم. فلا الفريق الضاغط يتحمل تبعة دفع سلام الى الاستقالة ولا داعمو رئيس الحكومة يحصدون مكاسب في حال الوصول الى هذه المتاهة.

وتعتقد الاوساط ان الدفع الخارجي الكبير الذي يحظى به سلام وكان تُوج بتلقيه اتصالاً من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يلعب دوراً بارزاً ومفصلياً في تعميم الرسائل على القوى الداخلية بوجوب تجنب دفع البلاد الى متاهة الفراغ الدستوري الشامل وان هذه الرسائل ستجد طريقها الى الاستجابة بطريقة ما.

ولعلّه ليس من باب المصادفة ايضاً، كما تلفت الاوساط عيْنها، ارجاء مجلس الوزراء الى يوم غد فيما يبدأ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس زيارة تتسم بأهمية كبيرة لطهران اليوم وسيكون الملف اللبناني فيها محورياً انطلاقاً من سعي فرنسا الى إقناع ايران بتسهيل انتخاب رئيس توافقي بما يعني حكماً التخلي عن التعطيل المدعوم ايرانياً تحت عنوان إما انتخاب العماد عون او لا رئيس.

ولاحظت الاوساط هنا اندفاع فرنسا بقوة نحو اولوية الملف اللبناني بدليل ان هولاند أتبع اتصاله اول من امس بسلام بإعلانه انه ينوي زيارة لبنان في الأشهر المقبلة «لبث الأمل بأن انتخابات رئاسية يمكن ان تحصل اخيراً في هذا البلد».

ونُقل عن هولاند ان زيارة فابيوس لايران «ستكون اختبارا لطهران بعد توقيع الاتفاق التاريخي الذي اعترف بحقوقها النووية»، مضيفاً «الطريقة التي سيتم استقباله بها ستكون بالنسبة لنا تقييماً لتصرّف ايران».