جواد محمود مصطفى

&
الزيارة المتوقعة لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل إلى موسكو بعد الدعوة التي تلقاها من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال لقائهما في الدوحة الإثنين، وهي أول دعوة توجه من هذا المستوى السياسي،.. خطوة تنمّ عن الترحيب الدبلوماسي بالحركة الفلسطينية التي يتجاهلها الغرب الأمريكي والأوروبي، وأعتقد أن موسكو لها مصلحة في ذلك، فعادة كلما تتضارب مصالح الدول الكبرى،أو تتعارض فتتعامل على قاعدة "عدو عدوي.. صديقي"!.


وللعلم كذلك فإن آخر زيارة لمشعل إلى العاصمة الروسية كانت في صيف العام 2010 ، بدعوة من نائب وزير الخارجية الروسي ,وكانت بعد أربع سنوات من أول زيارة لرئيس المكتب السياسي إلى موسكو ،حيث التقى وقتها الرئيس فلاديمير بوتين، وقد أثارت هذه الزيارات وما آلت اليه من علاقة بين الجانبين وقتها استهجاناً وامتعاضاً دولياً، إذ اعتُبرت كسراً لحاجز العزلة الغربي والحصار الأمريكي المفروض على حركة حماس ،وقد رفضت روسيا للآن اعتبار حماس منظمة إرهابية كما فعلت واشنطن.


قراءات عديدة توصل إليها المراقبون والمحللون السياسيون لطبيعة المباحثات التي جرت في الدوحة على مدى يومين لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع نظيريهم الروسي والأمريكي جون كيري بشأن الاتفاق الغربي مع ايران بخصوص برنامجها النووي، وما يتعلق بالأوضاع في سوريا واليمن والعراق،.. إلّا أن هناك قراءة أخرى لا تقلّ أهمية عمّا دار على بين الأطراف المجتمعة تتعلق بالقضية الفلسطينية ومسارات التسوية المعطلة منذ أكثر من عام..


من المؤكد أن تشمل المباحثات المتوقعة بين وفدي حماس والمسؤولين الروس عدة ملفات مهمة بمستجدّاتها، وبخاصة الأوضاع في قطاع غزة في أعقاب الحرب التي شنتها إسرائيل الصيف العام الماضي، والإرهاب الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة، واعتداءاته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والحريق العمدي الذي نفذه مستوطنون ومتطرفون يهود مما أسفر عن استشهاد الرضيع الفلسطيني علي الدوابشه ، والعديد من الجرائم البشعة على هذه الشاكلة.


ولإزالة الضباب عن طبيعة العلاقة بين حركة حماس وروسيا، لابدّ من تناولها من الجانب الروسي، وما تسعى وتهدف إليه الأخيرة من وراء ذلك، بخاصة أن العلاقات بين الدول والاتصالات والمباحثات تتم من خلال الحكومات الرسمية، وحماس حركة تحرر وطني تدير قطاع غزة في ظروف استثنائية، والكل يعلم أن فلسطين باتت عضواً في الأمم المتحدة كدولة مراقب وعنوانها السياسي هو السلطة الفلسطينية.


القراءة الموضوعية لما وراء علاقة روسيا الاتحادية بحركة حماس جاءت مع بداية عام 2006م، وتحديداً بعد فوز الحركة بالانتخابات التشريعية الفلسطينية وتشكيلها حكومة توافق وطني، وحينها استندت موسكو في تبرير إقامة هذه العلاقة مع الحركة الفلسطينية انطلاقاً من قاعدة احترام خيار الشعب الفلسطيني، وباعتبار أن حماس قوة فاعلة في المجتمع الفلسطيني ،وعلى خريطته السياسية والكفاحية.


هذا كان فيما مضى، وما يعنينا الآن هو الوقوف على دوافع الروس من وراء دعوة مشعل لاجراء مباحثات في موسكو؟


يرى العديد من المراقبين أن روسيا ومنذ سنوات طويلة فقدت حضورها، ولنقل كذلك تأثيرها في السياسات الدولية، وبخاصة ما يتصل بالمنطقة العربية، ولعلها الآن ستسعى من وراء توطيد علاقاتها مع حماس إلى تدارك ما ضاع من سنوات تهميشها وفقدانها لهذا التأثير في الملف الفلسطيني عبر بوابة حماس.


لنذهب الى أبعد من ذلك فنقول أن الدعوة التي وجهها لافرووف لمشعل تعكس بصورة كبرى رغبة موسكو في إدراج علاقتها المتجددة بالحركة في المساومة مع الغرب الأمريكي والأوروبي، وتبنيها مواقف يتطلب التخلي عنها أن ترغم المعسكر الأخر لدفع الثمن في ملفات دولية أخرى.


وربما، وهو استنتاج، أن روسيا سستسعى من خلال تجديد اتصالها بحماس أن تتواجد بشكل أكبر في قضية الصراع العربي الإسرائيلي من باب دفع حماس من خلال المباحثات المتوقعة إلى أن تلتزم بعملية السلام في المنطقة، وبقرارات اللجنة الرباعية، وبفكرة حل الدولتين، فروسيا لم تزل تحظى باحترام وتقدير من سياسيي حماس لتمسكها الدائم بالمطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة.


وإجمالاً يمكن القول، أن هناك رغائب ومفاهيم مشتركة بين الجانبين، فحماس تسعى لكسر طوق العزلة الأمريكية والأوروبية عليها، وموسكو ترغب بالعودة بقوة وبسرعة إلى المشهد السياسي في الإقليم العربي، وهنا الطرفان ربما يتمكنان إقناع أوروبا بامكانية الانطلاق باتجاه تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق شروط أفضل مما هو مطروح، وتشجيع دول الاتحاد الأوروبي على الخروج من الطوق الأمريكي فيما يتعلق بإدراج حماس كمنظمة إرهابية وهو ما جعل الحركة تعاني من العزلة الدولية والقطيعة الإقليمية.


صحيح أن موعد زيارة مشعل والوفد الذي سيرافقه إلى العاصمة الروسية لم يتحدد بعد، إلاّ أن اللافت هو حالة الارتياح الملحوظة لدى قيادات الحركة داخل الوطن الفلسطيني وخارجه للدعوة وما سينتج عنها من مكاسب تأمل الحركة الوصول إليها، وترغب موسكو تحقيق المكاسب من ورائها إقليمياً ودولياً.
&