فهمي هويدي
&
خسر المدعون في نيويورك قضية رفعوها لإطلاق سراح «هركيولز» ورفيقه «ليو» باعتبار أنهما احتجزا بغير وجه حق، ولا ينبغي أن تقيد حريتهما، وإنما يتعين أن يودعا ملجأ مناسبا يحفظ لهما الحق في التمتع بحياة طبيعية بغير قيود. المذكوران لم توجه إليهما تهمة من أي نوع، وإنما كان الدافع إلى احتجازهما إجراء بحوث عليهما في مجال بحوث الأعضاء. لم يرتكب أي منهما جريمة، بل إن براءتهما مقطوع بها. من ثَمَّ فإن احتجازهما لم يكن له دافع تأديبي أو عقابي، وإنما هو من قبيل «الحبس الاحتياطي» الذي فرضته الحاجة العلمية، ومدته لم تكن مفتوحة ولكنها ارتبطت بمتطلبات البحث الذي يجريه أساتذة جامعة نيويورك.
المذكوران اللذان عرضت قضيتهما على المحكمة العليا في نيويورك ونقلت وكالة رويترز الحكم الذي صدر بحقهما لم يكونا سوى اثنين من قرود الشمبانزي الذكية، احتجزهما علماء معهد البحوث بالجامعة لإجراء بعض البحوث عليهما في مجال وظائف الأعضاء. وهو ما استنفر إحدى جماعات الدفاع عن حقوق الحيوان (برنامج نونهيومان)، فرفعت الدعوى في شهر مارس الماضي أمام القضاء، مطالبة بإطلاق سراح القردين وإعادة الحرية لهما، عن طريق توطينهما في ملجأ خاص في فلوريدا. احتجت الجمعية في ذلك بأن احتجازهما لا سند له في القانون، وأن حق الحيوان في الحرية ينبغي أن يكون مكفولا، وعزز المدعون موقفهم بالتركيز على أن قرود الشمبانزي تتمتع بارتفاع معدل الذكاء والاستقلالية في السلوك، الأمر الذي يقتضي عدم احتجازها رغم إرادتها.
قاضية المحكمة العليا باريرة جافي قالت إن أوجه الشبه بين الشمبانزي والإنسان هي التي ألهمت الناس التعاطف مع هذه القرود، وربما يعطي ذلك الشمبانزي حقوقا قانونية في المستقبل، لكن القضاء الأمريكي لم يسبق له أن أصدر حكما بهذا المعنى. أضافت أنه حين رفضت محكمة الاستئناف بولاية فلوريدا طلب المدعين بالإفراج عن القردين، فإنها سوف تلتزم بحكمها وليس بوسعها أن تعارضه.
الإشكال تم حله حين أعلنت ناطقة باسم الجامعة أن المشروع البحثي انتهى منذ أسابيع. وأن الشمبانزي لن يستخدم بعد الآن في أي بحوث بالجامعة. وبالتالي فإن القردين سيعودان إلى ملجأ خاص يحفظ لهما العيش الهادئ والآمن. ومما ذكرته وكالات الأنباء في هذا الصدد أن القضية لم تكن الأولى من نوعها وأن برنامج نونهيومان سبق أن رفع دعاوى مماثلة في نيويورك، ولم ينجح في استصدار حكم يمنع احتجاز الحيوانات الأليفة وتقييد حريتها دون سند من القانون.
بعد أيام قليلة من صدور الحكم في قضية القردين بثت وكالة رويترز خبرا في ٤/٨ تحدث عن إجراء جراحة في ولاية ماساتشوسيتسي لدجاجة عرجاء لتركيب رجل صناعية لها تكلف ٢٥٠٠ دولار (نحو ٢٠ ألف جنيه مصري). وذكر الخبر أن صاحبة مزرعة الدواجن ــ اسمها أندر مارتن ــ فوجئت بأن الدجاجة الوليدة البالغة من العمر ثلاثة أشهر ولدت بعيب خلقي وتمزق في وتر الرجل اليمني يعرقل حركتها الطبيعية. وعندما ذهبت إلى كلية الطب البيطري لفحصها في جامعة تافتس كان أمامها خياران، إما تركيب رجل صناعية أو القتل الرحيم. لكنها لم تضيع وقتا في التفكير، وقررت تركيب الرجل للدجاجة. لأن من حقها أن تعيش حياة طبيعية، كما نقل على لسانها.
أضاف الخبر أن المزرعة مختصة بإعادة تأهيل الدجاج، وأنها تقع في منطقة كلينتون على مسافة ٧٢ كيلومترا من بوسطن، وقد سبق لها أن عالجت في العام الماضي دجاجة عن طريق استئصال رحمها. ومما قالته صاحبة المزرعة في هذا السياق أنه «في كل مرة نخوض مخاطرة، لكننا نقبل بذلك لأن ذلك يكون مدعاة لسعادة الدجاجة». الطبيبة البيطرية التي تولت أمر الدجاجة ــ اسمها ايمي كنافو ــ ذكرت أنها قامت ببتر الرجل اليمنى ثم قامت بتصوير الرجل اليسرى بالأشعة المقطعية لصنع الرجل الصناعية بواسطة تقنية خاصة. وستقضي الدجاجة أسبوعين للراحة في المزرعة ثم تعاد إلى جامعة تافتس لتركيب الرجل الجديدة.
ماذا يكون شعور الواحد منا حين يقرأ مثل هذه الأخبار؟. بالنسبة لي كان تعليقي السريع أنهم أناس حلوا مشاكلهم الأساسية وانصرف بعضهم إلى الاهتمام بحرية القرود وسعادة وعافية الدجاج. ثم إنني لا أخفي أنني شعرت بغصة حين وجدتهم يطالبون بإلغاء الحبس الاحتياطي للشمبانزي في حين أننا في مصر لم ننجح في حل مشكلة الحبس الاحتياطي للبشر. على صعيد آخر فإنني وجدت في ذلك السلوك نظيرا وتأصيلا في مخزون ثقافتنا الإسلامية، من الأحاديث النبوية التي تحدثت عن كرامة الحيوانات وكيف أن امرأة دخلت النار في قطة عذبتها وآخر غفر له لأنه سقى كلبا وروى عطشه. إلى النصوص القرآنية التي تحدثت أن الكائنات الحيوانية أمم أمثالنا وأن مخلوقات الله جميعها تسبح بحمده «ولكن لا تفقهون تسبيحهم». إلى غير ذلك من النصوص التي أصبحت تاريخا يطربنا وصار يصطدم بالواقع الذي يصدمنا ويشعرنا بالخزي والحزن. ذلك أن التاريخ يفقد بهاءه حين يصبح مقطوع الصلة بالحاضر. إذ لا يسرنا أن يبقى صفحة في كتاب وإنما يسعدنا أن يتحول إلى قيمة تمشي على الأرض، فنحن لا نريد إنعاش الذاكرة ولكننا نريد إثراء الواقع.
< تصويب: أخطأت في معلومة نقلتها عن أحد المصادر، حين ذكرت في العامود الذي نشر لي يوم الأحد ٩/٨ أن طول الشواطئ المصرية ١٢ ألف كيلومتر والمغربية ثلاثة آلاف. وصوَّبني مشكورا الدكتور محمد حجاج بهندسة القاهرة حيث ذكر أن الشواطئ المصرية ٢٤٥٠ كيلومترا فقط والمغربية ١٨٣٥ ــ لذا لزم التنويه.
&
التعليقات