حسن بن سالم

أعلن زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري في تسجيل صوتي بث في الأسبوع الماضي، بأنه لا يعترف «بشرعية» تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأنه لا يرى زعيمه «أبوبكر البغدادي أهلاً للخلافة».

&

وهو أمر ليس بالجديد، إذ سبق للظواهري أن وجه رسائل انتقادية عدة منذ مطالبته إلغاء تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، مع الإبقاء على «جبهة النصرة كممثل للقاعدة في سورية والاكتفاء بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق»، وما تبع ذلك من تطورات لاحقة، لكن الجديد هو أن الظواهري على رغم تأكيده مواقفه السابقة من رفض وبطلان خلافة البغدادي، وعدم شرعية تنظيم الدولة، وبطلان البيعات له، إلا أنه هذه المرة رفع غضن الزيتون بكل وضوح أو حاول أن يوجد خط رجعة، بالحديث عن وجود أمر مشترك يمكن التعاون فيه وهو مقاتلة التحالف الدولي، بقوله: «إنه لو كان في العراق أو الشام لتعاون معهم في قتال من أسماهم الصليبيين والعلمانيين والنصيريين والصفويين»، وتأكيده عدم إنكار منجزاتهم، ما يعني أن زعيم «القاعدة» الظواهري لا يزال يرفض وفق الأدبيات الشرعية التصنيف أو الإطلاق على تنظيم الدولة بـ«الخوارج»، وهو ما حكم به عليه العديد من المنظرين للقاعدة، وهو ما تذهب إليه «النصرة» منذ فترة طويلة في قتالها لـ«داعش»، ومثل هذه الدعوة من الظواهري يستحيل أن تحظى بأي قبول من كلا الطرفين، فالظواهري في منظور «داعش» ليس إلا خائناً وعميلاً، ولكنها قد تضع «النصرة» في موقف محرج كونها الفرع التابع لتنظيم «القاعدة»، ولذلك عمد بعض الشرعيين المقربين من «النصرة» إلى الالتفاف على عبارة الظواهري في التعاون معهم لقتال التحالف الدولي، بالقول إن ذكر الشيخ لبعض الأسماء التي تحكم على «داعش» بأنهم خوارج، وكأنه يقول عليكم بموقف هولاء! ويقال لهولاء هل عجز لسان الظواهري أن يحكم عليهم بهذا الحكم؟

&

هذه الكلمة التي يغلب أنه تم تسجيلها منذ ثمانية أشهر، تؤكد أن الدور الوحيد الذي بات يقوم به الظواهري الذي ورث قيادة منظمة جهادية ممتدة كان لها دور كبير في توحيد التنظيمات «الجهادية» كافة، والمحافظة على تماسكها والتعاون في ما بينها، هو في نزع الشرعية عن «داعش»، والطعن في خلافة «أبوبكر البغدادي» من أجل الهرب من الإخفاقات المتتالية التي أصابت «القاعدة» بعد تولي «الظواهري»، خصوصاً عدم القدرة على منافسة تنظيم «داعش»، إضافة إلى الانتكاسات الأخرى، وعلى رأسها عمليات الاختراق الكبيرة للتنظيم، التي أدت إلى تصفية معظم قياداته، ونشوب الخلافات وتعرض فصائلها إلى خلافات داخلية أفضت إلى تشكيل فروع عدة داخل تنظيم واحد، والتعجيل بأفولها.

&

في منتصف الشهر الماضي سربت رسالة مهمة ضمن سياق الرسائل المتبادلة بين «القاعدة» و«داعش»، كانت مرسلة من الظواهري إلى قيادي في تنظيم «الدولة الإسلامية» باسم أبوصهيب، الذي أفصح أبوماريا القحطاني الشرعي السابق لـ«النصرة» بأنه أبوعلي الأنباري، أوضح الظواهري في هذه الرسالة أن السبب الذي دفعه إلى رفض إعلان «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في نيسان (أبريل) العام 2013، يتعلق بالحرج الذي سيسببه له هذا الإعلان مع إمارة حركة «طالبان» بزعامة الملا عمر قبل رحيله، وذكر الظواهري كلاماً واضحاً يشير بجلاء إلى أنه لا يجوز أن يكون هناك «أمير للمؤمنين» (البغدادي) إلى جانب «أمير المؤمنين» (الملا عمر)، فقال ما نصه: «ألم تقدروا أنكم تضعوننا في حَرَج أمام الإمارة الإسلامية؟ فنحن في بيعة أمير المؤمنين الملا محمد عمر حفظه الله، ثم يخرج في العراق أمير مؤمنين، وأرسلت في رسالة سابقة أعتذر له عن ذلك وأحاول تبريره، ثم يخرج أمير مرة أخرى على العراق والشام؟ وأنتم كل همكم أن تسابقوا الجولاني، ولا تقدرون الحرج الذي تضعوننا فيه»؟

&

وهو يشير إلى بداية الخلاف الذي دب بين تنظيم «القاعدة» وفرعه بالعراق، بعد إعلانهم تأسيس دولة العراق الإسلامية في عام 2006 وتنصيب أبوعمر البغدادي أميراً للمؤمنين، ولذلك عمد الظواهري الذي اختفى لأكثر من عام عن المشهد الجهادي، إلى الظهور بشكل مريب مطلع الشهر الماضي لإعلان مبايعة الملا اختر منصور وبشكل سريع، إعلان كان الجديد فيه هو إعلان القاعدة وبصورة علنية للمرة الأولى أن تنظيم «القاعدة» يتبع «الإمارة الإسلامية في أفغانستان»، وأن البيعة التي في عنقه هي «بيعة إمامة كبرى»، وكان من الواضح من صياغة إعلان البيعة، أن الظواهري كان يضع نصب عينيه خليفة تنظيم الدولة أبوبكر البغدادي، لذلك عمد في تسجيله التفصيل في بنود البيعة والتركيز على شمولها الأمة، بقوله: «بوصفي أميراً لجماعة قاعدة الجهاد أتقدم إليكم ببيعتنا، ونبايعكم على إقامة الخلافة الإسلامية، التي تقوم على اختيار المسلمين ورضاهم، وتنشر العدل وتبسط الشورى، وتحقق الأمن وترفع الظلم وتعيد الحقوق، وترفع راية الجهاد»، تلميحاً إلى أن «إمارة طالبان» إن لم تكن خلافة، فهي الطريق الوحيد إلى تحقيقها.

&

وأكد أن «الإمارة الإسلامية» التي أقامتها «طالبان» في أفغانستان كانت «أول إمارة شرعية بعد سقوط الخلافة العثمانية، وأن كل من بايعوا بن لادن والقاعدة دخلوا في البيعة»، وهو ما يعني شمول جميع فروع «القاعدة» بهذه البيعة، وهو ما يخالف أجندة طالبان بأن مشروعها يقتصر على الأراضي الأفغانية، وهو ما يشير إلى وجود اختلافات جوهرية بين بيعة الظواهري من جهة وبين أدبيات «طالبان» من جهة أخرى.

&

الظواهري من هذه البيعة وبهذه العبارات سعى إلى تثبيت وجود تنظيم القاعدة، في ظل خلافات حادة لا تزال على زعامة طالبان، إذ حذر أخيراً شقيق الملا عمر بقرب اندلاع حرب داخلية في طالبان إذا لم يستجب الملا اختر منصور لمخالفيه.
&