محمد علي فرحات

سيمضي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الإصلاح وإن كلّفه ذلك حياته. هكذا يقول، فيما تروّج أخبار عن تعرّضه لمحاولات اغتيال فاشلة. سيعيش العبادي عمره المقدّر له ولن يصطدم بحكم الأمر الواقع في العراق، لأن هذا الحكم الذي أسسه الاحتلال الأميركي وأكمل بناءه الفساد المستشري يخص مالكين سعداء لعراق اليوم، وفي مقدّمهم حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي ويقوده في الواقع نوري المالكي.

&

بدأ العبادي مشوار الإصلاح بإلغاء منصبَيْ نائبي رئيس الوزراء. ضربة حبيب لخصوم سياسيين، لكنه لم يقرب القضاء، مثلاً، الذي يتكرر طلب إصلاحه في التظاهرات. لن يستطيع العبادي استثمار التظاهرات المطالبة بالإصلاح ولا نداءات المرجع الشيعي السيد علي السيستاني لتنظيف السياسة والإدارة من الفساد والفاسدين.

&

لم يستقل العبادي من حزب الدعوة لـ «يغامر» بقيادة مسار إصلاحي ينقذ العراق اقتصادياً، وبالتالي سياسياً، فالرجل يأنس إلى ملعبه الأليف، وتداول السلطة بالنسبة إليه مجرد تغيير أسماء في إطار حزب الدعوة نفسه: الحزب القائد، مع الاعتذار من البعث الغارب في العراق وفي الجارة سورية.

&

أكثر من ذلك، لا يسلم العبادي من انتقادات جماعة مقتضى الصدر و «المجلس الأعلى» لأنه لا يشاور قبل اتخاذ قراراته. وماذا إذا شاورهما؟ هل يستطيع التنظيمان الدينيان التابعان لإيران أن يباركا قرارات إصلاحية مهما كان حجمها؟ سوف يستشيران بدورهما طهران التي يعلمان كما يعلم العبادي أنها لا تطيق سماع كلمة إصلاح، لأنها تدرك أن مسار الإصلاح طويل ويؤدي إلى ولادة جمهورية عراقية مستقلة، خصوصاً عن إيران الأكثر كسراً لحدود الاستقلال الافتراضي للدولة العراقية القائمة.

&

حزب الدعوة ديني شيعي والنظام الإيراني مثله ويشبههما التيار الصدري والمجلس الأعلى وتنظيمات صغيرة مماثلة. فكيف لهذه الكيانات الدينية المؤتلفة أن تتحالف لحكم بلد عربي- كردي يضم ملايين من السنّة العرب كانوا ولا يزالون في أساس تكوين الدولة العراقية الحديثة؟

&

هذه الحقيقة يدركها السيستاني ويعمل من خلالها، لذلك تبدو مرجعية النجف مقبولة لدى قطاعات واسعة من العراقيين، وبينهم سنّة عرب وأكراد. لهذا تُعرقل إيران نفوذ هذه المرجعية في ما يتعلّق بحفظ التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية في القرار العراقي. تريده قراراً ثنائياً عراقياً - إيرانياً تصدر عناوينه من طهران. من هنا يعرف الجميع، حتى بسطاء الفهم، من يقف وراء إضعاف مرجعية النجف وتمويل مكاتب رجال دين يعرقلون نفوذها لدى الشيعة وبالتالي لدى سائر العراقيين. ثمة خلاف في بغداد، فيما ينحو إقليم كردستان إلى مزيد من الاستقلالية للنجاة من حال العراق المأسوية والمؤذية، وبدوره يتمدد «داعش» مستغلاً الخلافات في المنطقة الخضراء والصبغة المتعصّبة لـ «الحشد الشعبي» المتأتية من نفوذ جماعات مقربة من طهران تريد لـ «الحشد» هذه التسمية في حين كانت النجف تريده مجرد متطوعين لبوا نداءها لحفظ وحدة العراق واحترام مكوناته أثناء الحرب على الإرهاب. وتتعاظم سعادة «داعش» حين تتوزع الروايات وتتضخم عما حدث في الفلوجة، وحين تفتح صفحة إعدام الرئيس صدام حسين بعلاماتها الطائفية المقززة.

&

لن يستطيع العبادي إقناع البرلمان بإقرار تشريعات لخطواته الإصلاحية لأن حزب الدعوة بقيادة المالكي يمنع ذلك، فكيف يستطيع الوصول إلى إحالة المالكي على القضاء ومحاكمته بتهمة الفساد الإداري والتسبُّب بسقوط الموصل، وتالياً سوقه إلى السجن وتوزيع صورته وراء القضبان لطمأنة بيئة عراقية يؤدي نفورها من خطايا حكّام العراق إلى صمتها عن فظاعات «داعش»؟ سيعيش العبادي عمره ولا تتحقق خطواته الإصلاحية لأن الضربة تأتي من بيت أبيه. وها هو يرى العراق ينحلّ وصولاً إلى استقبال وباء الكوليرا على الرحب والسعة، فيما المشرق العربي سائر إلى تطورات يقودها كبار الإقليم والعالم، وربما تؤدي إلى ولادة عراق كونفيديرالي في أقاليم ثلاثة، بينها إقليم شيعي يُعتبر جيباً لإيران وتعويضاً عن انسحابها من سورية.

&

سيعيش العبادي عمره ويرى.
&