محمد خروب

حطّت طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطار موسكو، بعد أيام معدودات على مغادرة طائرة رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو العاصمة الروسية، في مسعى من الرجلين، لعرقلة الخطوة الروسية الدراماتيكية تجاه الأزمة السورية، تلك الخطوة التي قلبت الأوضاع في المنطقة رأساً على عقب، وأجبرت الأطراف المُنخرطة في الحرب على سوريا، على إعادة تقييم مواقفها وقراءة أبعاد وتداعيات واستحقاقات ما ذهبت اليه الدبلوماسية الروسية، المحمولة على فعل عسكري، آخذ في التحول الى واقع ميداني يصعب تجاهله او تجاوزه او التقليل من أهميته، حتى لو اخذنا على محمل الجد التصريح الباهت الذي ادلى به رئيس الدبلوماسية الاميركية جون كيري عندما حاول التقليل من أهمية ما قامت به موسكو مؤخراً بزعمه ان المقاتلات التي ارسلتها روسيا الى سوريا انما تستهدف - حتى الآن - حماية قاعدتها هناك.

أردوغان الذي جاءت مناسبة افتتاح مسجد موسكو الكبير يوم أمس مصادفة مع مستجدات الأوضاع الإقليمية، قال ذات يوم بعد لقائه بوتين في اذربيجان: انه «فهم» من محادثاته مع الزعيم الروسي، ان الاخير مستعد للتخلي عن بشار الأسد، يذهب الآن إلى قصر الكرملين بدون رصيد فعلي لفهمه المغلوط (اقرأ رغباته) بأن سيد الكرملين قد «باع» حليفه السوري، حاملاً في جعبته المزيد من الأسئلة الكبيرة التي نحسب انه لن يجد لها الاجوبة التي ترضيه وبخاصة ان الرئيس التركي ذاته هو من قاد «انقلاباً» حقيقياً قبل شهرين، بدا لبعض السُّذج انه قد يُعيد الاعتبار لطموحاته وأحلامه الامبراطورية التي تحاول احياء الإرث العثماني الاستعماري وأوهام السيطرة على المنطقة العربية من البوابة السورية، التي ما يزال يُصرّ على ان فيها حقوقاً عثمانية وخصوصاً في حلب «درّة الحلم الاردوغاني» ناهيك عن كركوك.

قصدنا بانقلاب أردوغان قبل شهرين، عندما اتفق مع واشنطن على فتح قاعدة انجرليك التركية الاستراتيجية للطائرات الأميركية، وانضمام انقرة الى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، مُقرِناً ذلك باطلاق يده لمحاربة الإرهاب «الكردي» الذي يُشكّله حزب العمال الكردستاني التركي P.K.K و»جازماً» بأن اتفق مع الادارة الاميركية على اقامة منطقة «أمنية» في الشمال السوري وعلى مقربة من الحدود التركية، وكان هدفه بالطبع الحؤول دون قيام أي اتصال بين المناطق التي تُسيطر عليها قوات الحماية الشعبية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري بزعامة صالح مسلم, اي لقطع الطريق على قيام اي نوع من انواع الحكم الذاتي «الكردي» في الشمال السوري أو في (روج آفا) وفق التسمية الكردية.

كل ذلك غدا من الماضي ومجرد ذكريات مزعجة لسيد القصر الابيض (القصر الرئاسي الباذخ في انقرة) بعد ان أنكرت واشنطن عليه اتفاقا كهذا, فضلاً عن الواقع الجديد الذي فرضته موسكو بالقرب من تلك المنطقة الحساسة التي على اردوغان ان يفكر ملياً وطويلاً قبل الإقدام على خطوة غير محسوبة في هذا الاتجاه, قد تأتي بعواقب وخيمة, يعلم هو (بما ان بلاده عضو في حلف شمال الاطلسي) انه محظور عليه تجاوز السياسة او الخطوط التي رسمها الحلف في أي اشتباك عسكري مع دولة اجنبية قبل العودة لبروكسل (بما هي مقرّ الناتو).

صحيح أن موسكو وانقرة تُبديان نوعاً من المرونة في علاقاتهما المتشابكة والمعقدة، وخصوصاً في المسائل الاقتصادية ذات الاهمية للطرفين وعلى وجه التحديد في شأن خطوط الغاز التي اتُفِقَ على ان تمر من الاراضي التركية وصولاً الى اوروبا، لكنها لم تُترجم ميدانياً حتى الان لأسباب لها علاقة بالخلاف حول الكلفة والأسعار, كذلك في شأن المواقف المتناقضة لما يحدث في الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة, إلا ان ذلك يبدو غير ذي اهمية، مقارنة بما يمكن ان يترتب على الانخراط الروسي المباشر والمُثقل بالرسائل والاحتمالات في الازمة السورية, وهو ما يُوليه اردوغان اولوية مطلقة في ظل انحسار شعبيته الداخلية والعزلة الدبلوماسية التي تعيشها بلاده في المنطقة العربية والعداء المريب الذي يبديه تجاه مصر (دع عنك سوريا).

.. هل نجح اردوغان في زيارته الخاطفة الى موسكو؟

.. اسألوا بنيامين نتنياهو.