مصطفى زين

طالب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي «الحشد الشعبي» بالتصدي لـ «مؤامرة» تحاول القضاء على «العملية السياسية»، متهماً أطرافاً لم يسمها بالضلوع في هذه المؤامرة. لكن أي متابع للشأن العراقي يعرف أن «المتآمرين» هم أنفسهم الذين أطاحوه من الحكم، ولم يتيحوا له تجديد ولايته مرة ثالثة، بحجة أنه طائفي ويحمي الفاسدين، ويتفرد في اتخاذ القرارات. وهي التهم ذاتها التي تكال للعبادي الذي خلفه وطرح حزم إصلاحات يعرقل تنفيذها المستفيدون من «العملية السياسية» ومن الوضع القائم، وهم موزعون على كل الطوائف والمذاهب.

&

فعلى رغم ضحالة هذه الإصلاحات وعدم مسها بجوهر الواقع السياسي القائم على المحاصصة منذ الإحتلال الأميركي عام 2003 يجد هؤلاء المستفيدون أنفسهم مستهدفين بها. وواقع الأمر أن العبادي يحاول إنقاذهم من الدرك الذي وصلوا إليه بفسادهم وعدم اهتمامهم وفشلهم في إدارة البلاد من دون أن يمس مصالحهم أو مواقعهم.

&

من المآخذ على العبادي أنه لم يلتزم «ورقة التفاهم السياسي» التي وافق عليها وأتت به رئيساً للوزراء. وهي ورقة تظهر مدى ضحالة المخيال السياسي لهذه الطبقة الحاكمة، ومدى تمسكها بـ «إنجازات الإحتلال». فهي تطالب رئيس الوزراء بإقرار قانون الحرس الوطني، أي تشريع ميليشيات سنية مقابل الميليشيات الشيعية، ودعم المحافظات السنية في محاربة «داعش»، وبقانون للأحزاب لم تحدد مواصفاته. وزيادة حصة السنة في المناصب الحكومية. ونقل صلاحيات الكثير من الوزارات إلى المحافظات. وتصحيح العلاقة مع الأكراد. وتحرير الأنبار.

&

هذه باختصار بعض المطالب التي وافق العبادي على تحقيقها شرطاً لتعيينه رئيساً للوزراء. وهي شروط من باب المماحكة السياسية، وليست إصلاحاً للنظام، فضلاً عن أنها وصفة لتقسيم العراق، فإذا طبقت تصبح لكل طائفة جيشها وموازنتها ومرجعيتها المحلية والإقليمية، وتتحول المحافظات إلى أقاليم متناحرة تغرق في حروب لا نهاية لها، خصوصاً أن لـ «داعش» وغيرها حاضناتها، مثلما لـ «الحشد الشعبي» حاضناته.

&

يرد العبادي على اتهامه بعدم تطبيق «الورقة السياسية» أنه أنجز أكثر من خمسين في المئة منها، ويقول إنه أقر النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وعدل في المناصب في وزارة الدفاع، وزاد حصة السنة من هذه المناصب من 18 إلى 22. وأقر قانون الحرس الوطني وغيره الكثير وأحالها على البرلمان الذي يتلكأ في المصادقة عليها. والواقع أنه يلعب لعبة المالكي ذاتها، فقد أحال هذه «المنجزات» على المشرعين، وهو يعرف أنها لن تمر بسبب الخلافات العميقة بين هؤلاء الغارقين في الفساد والمحسوبيات.

&

كل الوقائع تشير إلى أن العبادي لن يستطيع تطبيق إصلاحاته بسهولة، على رغم دعم المرجعية والولايات المتحدة، وهو يراوح مكانه. ويتعرض لـ «مؤامرات»، طالما تعرض لها سلفه الذي أطيح من منصبه بسبب موقفه المتعاطف مع النظام السوري، وليس بسبب رفضه إجراء الإصلاحات المطلوبة. فهي إصلاحات لتحسين واقع المحاصصة ولا تتجاوز هذا الأمر.

&

سيبقى العبادي في منصبه، سواء نفذ ما وعد به من إصلاحات أو لم ينفذ، طالما أن سياسته الخارجية منسجمة مع توجهات واشنطن. أما معالجة الفساد الذي ينخر الدولة والمجتمع ففي حاجة إلى تغييرات جذرية لن يستطيع المختلفون على الحصص إنجازها.
&