& ياسر عبد العزيز
&
&
تجربة التيار السلفي البرلمانية السابقة كانت تلعب على وتر استجداء عواطف البسطاء من الناس، فكان نوابه يخوضون في السطحيات، علما أن البلاد تمر في مخاض تجربة الثورة، وهي بحاجة لأمور أعمق من السطحيات التي كانوا ينادون بها، فهل سيغيرون منهجهم في الانتخابات؟ وما موقف الدولة والناخب منهم؟


رغم أن الدستور المصري الحالي، الذي تم إقراره بأغلبية ساحقة، في يناير 2014، يحظر قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، فإن عدداً من الأحزاب ذات الإسناد الديني سيخوض الانتخابات البرلمانية المنتظر إجراؤها في شهري أكتوبر ونوفمبر المقبلين.
على رأس تلك الأحزاب يأتي حزب "النور"، الذي يعد الذراع السياسية للدعوة السلفية؛ وهو الحزب الذي ساند إطاحة "الإخوان المسلمين" من الحكم، وكان مشاركاً في انتفاضة 30 يونيو، وداعماً ومساهماً في الترتيبات السياسية التي جرت بعدها.
لم تستطع الدولة أن تُفعل النص الدستوري القاضي بحظر ممارسة السياسة على أساس ديني، وأخفقت حملة سياسية تم تدشينها لهذا السبب في الوصول إلى أي نتيجة، كما أن المحاكم المختصة رفضت أكثر من دعوى استهدفت حظر مشاركة تلك الأحزاب في الانتخابات.
ستكون الدولة مطالبة بتفسير التقاعس عن تفعيل ذلك الاستحقاق الدستوري، وسيساعدها في ذلك أن "حزب النور" على سبيل المثال يدعي أنه "غير ديني"، ويضم بين أعضائه، بل مرشحيه، مسيحيين، فضلاً عن أن هناك من ينصح النظام بعدم إقصاء "النور" وغيره من أحزاب الإسلام السياسي المنضوية تحت لواء "30 يونيو"، حتى لا يتكرس انطباع بـ"إقصاء الدين"، وحتى لا يتم منح "الإخوان" فرصة لتوسيع قاعدة الرفض والمعارضة في المجتمع باستقطاب "الإسلاميين" الذي أقصوا عن المشاركة السياسية.
وإضافة إلى ذلك، فإن تردي الأداء السياسي للتيارات المدنية، وخواء الأحزاب الرئيسة، وتهافت الأحزاب الجديدة، تمنح السلفيين فرصاً كبيرة للفوز في مثل تلك الاستحقاقات الانتخابية، خصوصاً أن للسلفيين وسائل وآليات معروفة تكرس تمركزهم في الواقع الاجتماعي للبيئات التقليدية خصوصاً.
ما زلت أتذكر اليوم الذي انعقد فيه أول برلمان مصري بعد "ثورة 25 يناير"؛ وهو البرلمان الذي هيمن عليه "الإسلام السياسي" هيمنة تامة، حيث تقاسم "الإخوان" والسلفيون أغلبية مقاعده.
لم تفارقني أبداً صورة النواب السلفيين وهم حريصون على أن يخرقوا قواعد اليمين الدستورية لتولي مناصبهم، بأن يضيفوا إليها عبارة "بما لا يخالف شرع الله"؛ وكأن الدعوة الموجهة إليهم في الأساس تستهدف إلحاقهم بكتائب "الكفار"، أو أن البرلمانات السابقة لم تكن سوى حاضنات للكفر والفسوق والعصيان.
لن ينسى كثيرون فضائح برلمان 2012، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالنائبين البلكيمي وعلي ونيس، حيث أدين أولهما بقضية تزوير وبلاغ كاذب، فيما أدين الآخر في واقعة فعل فاضح في الطريق العام بمشاركة إحدى تلميذاته.
لقد تم انتخاب هذين النائبين باعتبارهما رمزين من رموز التيار السلفي، الذي ينطلق في دعايته وبرامجه الانتخابية من المرجعية الإسلامية، ويتخذ أعضاؤه هيئة توحي بالتمسك بالمظهر الإسلامي ومحاولة الاقتداء بالسلف الصالح في الشكل والجوهر.
لم تكن تلك الفضائح أهم نقائص التجربة السلفية في الممارسة البرلمانية، بل ظهرت نقيصة أخرى أشد ضرراً وأبلغ إسفافاً؛ فقد كان مجمل تركيز النواب السلفيين خلال الشهور التي مارس فيها البرلمان عمله منصباً على أمور تافهة شكلية، ومستهدفاً الإثارة وجذب الأنظار، ومتلاعباً بعواطف البسطاء الدينية.
ليس هناك أبلغ من النكتة السياسية المصرية للتعبير عن المنظور الذي يرى منه الجمهور السياسيين والبرلمانيين، حيث يلجأ الجمهور عادة إلى النكات من أجل تقييم السياسيين وانتقادهم وفضح عجزهم وإخفاقهم.
من أهم النكات التي تداولها المصريون في تلك الفترة بحق السلفيين نكتة تقول إن "نائباً سلفياً يطالب بتغيير اسم الطريق الدائري إلى الطريق المستقيم".
تريد تلك النكتة أن تختصر وتلخص مساهمة السلفيين البرلمانية وتنتقدها في آن، وتقول النكتة بوضوح عن تلك المساهمة إنها "شكلية، وبائسة، ولا تستهدف سوى الدعاية ومغازلة عواطف البسطاء".
النكتة كانت على حق بكل تأكيد، فمن بين ما طالب به النواب السلفيون آنذاك "حجب المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت"، و"حجب موقع (فيسبوك) لنشره مواد تسيء إلى الرسول الكريم"، و"إلغاء تدريس اللغة الإنكليزية في مدارسنا"، لأنها جزء من "مخطط خارجي ضد بلادنا".
ومن بين المطالب التي طرحها نواب سلفيون آخرون في برلمان 2012 المطالبة بـ"قتل البلطجية"، و"وضع ضوابط لأي تطاول على الأنبياء، وتطبيق حد الردة على المتطاول في أي مكان بقتله، ليكون عبرة للآخرين".
لم تكن كل المطالبات من هذا النوع الحاد بالطبع، ولكن بعضها اتخذ منحى آخر مثل مطالبة أحد النواب السلفيين بتطبيق قانون العزل على "أقارب سوزان مبارك"، ومطالبة زميل له بـ"الكشف عن فاتورة علاج الرئيس مبارك في المستشفى الذي يقيم به"، في وقت طالب فيه زميل ثالث لهما بـ"تطهير المجلس من النواب الخونة".
لكن ثمة نواب سلفيون آخرون كرسوا طلباتهم لمسائل تتعلق بالبعد الديني المباشر؛ مثل ذلك النائب الذي طالب بـ"توسعة مسجد مجلس الشعب، ورفع الجلسات خلال وقت الصلاة"، وغيرها من المسائل التي تستجدي العواطف وتستهدف إظهار الورع دون أي تأثير حقيقي في مسار دولة تعاني أزمات ضخمة وتحديات جساماً.
هل هذه دعوة للجمهور لتجنب التصويت للسلفيين في الانتخابات المنتظرة؟
لا أعتقد أنه من الصواب أن يصوت أي فرد لحزب أو جماعة ذات ارتكاز ديني في انتخابات سياسية، ولا أعتقد أن دولة رشيدة يمكن أن تسمح لأحزاب بممارسة السياسة على أسس دينية، ومع ذلك فإنني متأكد من أن معظم من يصوتون للسلفيين لا يحفلون بتلك القواعد، ولا يتعرضون لمثل تلك المقالات الصحافية.
المقصود إذاً بهذا المقال هم المرشحون السلفيون أنفسهم؛ إذ يبدو أن عدداً ليس قليلاً منهم سيكون عضواً بالبرلمان المقبل، لأسباب عديدة يتعلق معظمها بتراجع معدلات التنمية البشرية، وهشاشة الحياة السياسية، والدور المهيمن للدين والمال في الانتخابات.
يجب أن يقرر النواب السلفيون أنفسهم، وغيرهم من النواب التابعين لتيارات "الإسلام السياسي"، أن يُعدّلوا سلوكهم البرلماني، لأن "العرض الأول" الذي ظهروا فيه خلال مشاركتهم في برلمان 2012، كان مزرياً.
إن تكرار الأداء السلفي نفسه في البرلمان المنتظر قد يكون نهاية مشاركة مثل تلك الأحزاب في الانتخابات المقبلة.
&