عبدالحميد العمري

حينما يكتشف عدوك انهيار ما خطط ولهث خلفه طوال عقود من الزمن، خلال أقل من ستة أشهر فقط، فلا شك أن صوابه إن كان يملك منه مثقال ذرة سيطيش وتحمله الرياح إلى غير رجعة! تلك هي إيران وأذنابها كمعول للهدم في منطقة الشرق الأوسط طوال ما يقارب العقود الأربعة الماضية، التي ما تأخرت يوما ولا لحظة عن دناءة تفكيك وشرذمة جسد الأمة الإسلامية، ولم تدخر مالا ولا جهدا لأجل إضعاف حال الأمتين العربية والإسلامية.

فرحت أكثر من فرح الشيطان بسقوط بغداد ثم دمشق ثم صنعاء في وعثاء الدماء والفتن والقتل والتشريد، لكنها صعقت حينما انتصرت منامة العروبة، ونجاة كويت العروبة أخيرا من مخطط شيطاني كان سيشعل نار الفتنة في كل متر منهما، وها هي صنعاء توشك على التحرر من أفاعيها التي زرعتها في خاصرة شبه جزيرة العرب، لتدخل الأفعى الهرمة في دوامة عظمى من الشتات حول نفسها، باحثة عن أي منفذ تهرب منه، بدأته في مسرحيتها الهزلية بتوقيع اتفاقية مع دول الغرب حول مفاعلاتها، في وقت سلبت منها في الحقيقة إدارة التحكم والسيطرة عليها، وبعد سنوات عجاف جاع فيها الشعب الإيراني، حتى فاقت في أوساطه معدلات الفقر والبطالة نسب الـ 70 في المائة، لتكتفي بفرحة الإفراج عن بضعة مليارات من الدولارات، ثم وجدت مخرجا آخر بمحاولتها الفاشلة انتهاز حادثة المشاعر المقدسة في منى، وقبل أن تفصح عن سمومها الخبيثة، سرعان ما بدأت مؤشرات تورط أياديها الآثمة كالعادة في تحمل وزر دماء الضحايا من حجاج بيت الله الحرام.

قد تعلم أو لا تعلم الأفعى الصفوية وأذنابها في منطقتنا، أن ما تحاول أن تقتات عليه من فتات الأرض، هربا من صدمة انتصار المنامة العربية، وقريبا جدا صنعاء العرب، لن ينجي وجهها القبيح من عارها التاريخي الذي بدأ يكتسيه، وهو الوجه الحقيقي الذي حاولت إخفاءه عن شعبها المغلوب على أمره، وحاولت إخفاءه أيضا عن شعوب المنطقة خاصة أتباع مذهبها المأفون الذين غررت وتلاعبت بهم، وها هم قد بدأوا في جنوب العراق يطالبون بطرد أذنابها جهارا نهارا قبل غيرهم، وحاولت إخفاءه أيضا عن المجتمع الدولي، كل هذا الزيف والتزوير ها قد بدأ بالانكشاف الفاضح، بل لقد انكشفت حتى حقيقة ما زرعته مخابراتها ممثلا في نبتة السوء "داعش" في العراق وسورية، كل هذا تهاوت ستائره خلال أشهر معدودة، وهو المخطط الذي استغرق سنوات عديدة من ملالي إيران، وتسبب في تجويع شعوب إيران المختلفي الأعراق والمذاهب والملل. أمام هذه الفضائح القائمة والمتوقع استكمالها قريبا؛ هل يظن ملالي إيران أن "فتات" ما تفتعله هنا أو هناك سينجيها من دفع ثمن جرائم مخططاتها؟ أو حتى ينجيها من انتقام شعبها الذي رزح تحت الظلم والجور والفقر والعوز طوال العقود الماضية؟

ليس بعد؛ فما رأته وصعق تفكيرها حتى الآن خلال أشهر معدودة في المنامة والكويت وصنعاء قريبا - بإذن الله تعالى - ليس بداية طريق التصحيح وإعادة الأمور إلى نصابها الشرعي والمقبول، الطريق الذي حملت أمانته هذه البلاد، السعودية، وقريبا يكتمل العقد المنثور بسبب عبث الدولة الصفوية في منطقتنا، حينها لا يستطيع ملالي إيران ولا أذنابها في أي شبر من العالم مقاومة الانتقام ورد الدين من ضحاياها داخل إيران نفسها، وهي المفككة اقتصاديا وماليا واجتماعيا من الداخل، وكما استغرقت بضعة أيام أثناء صعودها إلى قمة السلطة، فإنها قد تكون أقل أياما منها التي ترى ملالي إيران يلوذون بالفرار من انتقام شعوب إيران المختلفي المذاهب والأعراق، وما سيحدث ليس إلا جنيا لما كسبت أيادي ملاليها الطغاة.

قد لا يدرك الكثير إلى أي درك وصل الاقتصاد والمجتمع في إيران، وأن مؤشرات العجز المالي وارتفاع معدلات البطالة والفقر والتخلف التنموي والاجتماعي فيها كفيل وحده بنقض وهد عرى الدولة الصفوية، وهو ما سيكون له حديث أكثر تفصيلا وتوثيقا، وأن جزءا من مهام الآلة الإعلامية الصفوية هو إبعاد الاهتمام والمعرفة حول هذا الجانب المعطوب بدرجة كبيرة داخلها، بل لقد جاهد الإعلام الصفوي للتغطية على هذا التفكك الاقتصادي والمالي والاجتماعي، عبر الترويج لما اعتبر انتصارات للدولة الصفوية في تمددها داخل العواصم العربية، بغداد ودمشق وصنعاء، إلا أن كل هذا لم يكن ليستمر نجاح التكتم عنه لفترة أطول مما مضى، وقد حان لبقية شعوب منطقتنا أن تكتشف حجم الضعف الكبير الذي يعانيه الاقتصاد الإيراني، وانعكاساته المريرة على المجتمعات داخل الدولة الصفوية، وأنه وصل إلى الدرجة الفعلية التي لن يستطيع أي مجتمع في العالم التعايش أو القدرة على التكيف معه!

ما يجري الآن ليس إلا بداية سقوط كان متوقعا، وليس مفاجئا كما قد يظن البعض حينما يبدأ قريبا، فمقدمات الانهيار الاقتصادي والاجتماعي بدأت مع بداية صعود ملالي الحكم الصفوي إلى سدة الحكم، نعم قد يكون الغطاء العسكري والأمني والاستخباراتي نجح في ستره لفترة من الزمن، لكنه لم يكن لينجح على الدوام في فعل كل ذلك، والتجربة أوضح وأقوى برهان على حالة كيان كان أكبر وأقوى من الكيان الصفوي، ممثلا فيما كان يسمى الاتحاد السوفياتي سابقا، سرعان ما هوى وتفكك وتشرذم حتى لم يبق منه إلا نواته الأولى ممثلة في روسيا الاتحادية.

إنها فقط الصدمة الأولى للدولة الصفوية، وما نراه من ردة فعل منها في الوقت الراهن لا يتعدى إلهاء واقتياتا من ملاليها على مجرد فتات بدأت تظهر مؤشرات تورطها الآثم في ارتكابه، والقادم سيكون أكثر رعبا وصدمة بالنسبة لها ولكل أذنابها. باختصار؛ إنه بداية طريق مرير لإيران ليس إلا .. والله ولي التوفيق.