&&محمد حجازى

يشهد مسار التفاوض الحالى حول سد النهضة الأثيوبى تعثراً واضحاً ، ومراوحة المسار الحالى مكانه مع استمرار عملية بناء السد بوتيرة متسارعة دون أن يواكبها إحراز تقدم فنى يطمئن مصر تحديداً، والذى بات وحيداً فى ظل موقف سودانى ممالئ لاثيوبيا لأسباب فنية وسياسية، وموقف اثيوبى لايراعى مخاوف مصر ومصالحها المائية والسياسية.&

وتتلاحق الجهود الدبلوماسية لرأب الصدع واحتواء الخلاف الفنى الناشب بعد تعذر التوافق بين الشركتين الفرنسية والهولندية، وقرب عمل الشركتين الفرنسيتين لتقديم الاستشارة وتقييم السد.&

وبداية كلنا أمل ورجاء ان يكلل المسار الحالى بالنجاح..ولكن اي عملية تفاوضية تستلزم تدارس البدائل اذا لم يسفر المسار الحالى عن نتائج واستمر الجمود الحالى وتجاهل الجانب الاثيوبى لمطالبنا .&

وتحسباً لفشل المسار الراهن وفى اطار اعداد البدائل، يعد من الضرورى ان تتبنى مصر من الان ملفا متكاملا يعكس موقفاً واضحاَ وعادلاً يضع مصلحتها ومصالح كل من السودان واثيوبيا موضع الاهتمام المتكافئ، دون ضرر أو ضرار. المطلوب اذن ان يعد المفاوض المصرى ملفا يعبر عن الرؤية المتكاملة العادلة وبما يحقق المصالح المأمولة للاطراف الثلاثة وبشكل منصف وفقا للقواعد القانونية الراسخة، وسيشكل تقديم هذا الملف برؤيته الشاملة والعادلة ضغطا على اثيوبيا حيث يظهر سلامة النوايا المصرية ورغبتنا فى حل يحقق مصلحة الجميع، ويطرح رؤية متكاملة لتنمية النيل الأزرق تكون فيها المياه احد جوانب عملية التنمية على النحو الذى سنعرضه تاليا، والاهم ان الملف المقترح سيكون ركيزة تصعيد الموقف دبلوماسيا فى الوقت الذى يراه المفاوض المصرى مناسبا على الساحة الافريقية والدولية وامام مجتمع المانحين والدول الفاعلة ذات التأثير او امام التحكيم الدولى ومجلس الأمن ، وبحيث نظهر للجميع اننا مع عملية تنمية اثيوبيا لمواردها بما لايضرنى فى شريان ومصدر حياة كالنيل الأزرق، ونكون بذلك قد تحسبنا لمواجهة المنطق الاثيوبى المتكرر بل والمنتشر بين دول الحوض كذلك بأن مصر تقف ضد اى مشروع تنموى فى أعالى النهر وهو مايروج له على غير وجه حق، ويضم الملف المقترح قسمين:ـ أولاً : القسم الفني:ـ ويعبر عن رأى مصر الفنى فى مقاييس البناء الأنسب للسدين الأصلى والركامى المجاور وتحديد معدلات التخزين المناسبة لسد النهضة والمدة الزمنية، ومعدلات التصريف المثلي، والتي تراعى مصالح الجميع ولاتؤثر سلباً على السدود والمنشأت الهندسية فى السودان ومصر، ولاعلى الحصص المائية وبما يتيح لاثيوبيا توليد نسبة الكهرباء الممكنة وفقا لتلك الاعتبارات.

&هذا، ويراعى فى القسم الفنى طرح اعتبارين فنيين على قدر عال من الأهمية:ـ&

(1) أن تراعى قياسات تصميم السد الاثيوبى استمرار التدفق الطبيعى الحالى للنيل الازرق (natural أى نفس المعدل الحالى خلف آول السدود السودانية بعد الحدود الاثيوبية السودانية وقبل تلاقى النيل الازرق مع النيل الأبيض عند الخرطوم (سد الرصيرص)، ضماناً لحصتنا المائية الواردة من النيل الازرق قدر الإمكان من ناحية ، وضماناً لالتزام السودان بحصتها اعمالاً لبنود اتفاقية 1959 ولاستمرار معدل التصريف الحالي.

&( 2 ) وقد يرى ان يضم القسم الفنى كذلك الدعوة لبناء اوتعبئة خزان سد النهضة والسد الركامي » على فترتين زمنيتين » الأولى الآن وتشمل معدل تخزين ملائم وليكن فى حدود 14 مليار متر مكعب تدير المرحلة الأولى وتسمح باستيعاب الأطراف للآثار الناجمة والاطمئنان على سلامة السد واحتواء اثاره البيئية هو، والثانية بعد عدة سنوات يتفق عليها ـ وإذا ما نشأت الحاجة ـ لضمان الملئ والتشغيل المتدرج واستيعاب مصر والسودان لأثار السد بشكل تدريجى وعبر عدة سنوات حتى لوكان بناء السد قد اكتمل بناء الخرساني، وقياسا على عملية بناء سد شلالات اوين فى أوغندا والذى بني اعتبارا من عام 1949 حتى عام 1953وتمت عملية تعليته عام 1991بموافقة مصر والتى كانت قد أسهمت أصلا فى بناءئه بمنحة آنذاك بقيمة 10ملايين جنيه استرلينى لتخزين المياه لصالحنا فى بحيرة فيكتوريا وتوليد أوغندا للكهرباء بل وتسهم حتى الان بعثة مصرية فى الإشراف على تشغيلة.

&(3) يضم القسم الفنى كذلك تصورا إيجابيا لعملية التنمية المتكاملة فى حوض النيل الشرقي، يتم إدراجها فى الملف تأكيداً على حرص مصر على مصالح الدول الثلاث وبشكل عادل ومربح تكون المياه فيه احدى جوانب التنمية وليست فقط محرك العلاقات وبما يخلق الشعور العملى بمكاسب التعاون ويكون للاتفاق إغراءات وعوائد تقلل من الخلاف والتوتر،&

هذا القسم من الملف سيحمل ثلاثة مشروعات: الاول: هو مقترح بالربط الكهربائى بين سد النهضة والسد العالى مرورا بسدود السودان، ولمصر مصلحة أكيدة فى عملية الربط هذة اقتصاديا،الثانى والثالث: هما خط للسكك الحديدية وطريق برى من موقع السد عابرا للحدود حتى الخرطوم ومنها الى أسوان فى حدود بإجمالى 940كيلو مترا تقريبا (40كيلو مترا من السد للحدود السودانية و900 كيلو متر حتى أسوان) مما سيسمح لاثيوبيا بتصدير سلعها ومنتجاتها نحو الشمال وحتى أوروبا عبر الاراضى المصرية وهو ماسيفتح لاثيوبيا منفذا لأول مرة على المتوسط وهى ميزة استراتيجية لدولة حبيسة جغرافيا مثل اثيوبيا&

الثاني: القسم القانوني:ـ&

ـ ويتضمن صياغة ماسيتم التوافق عليه فنياً فى القسم الفنى ، فى إطار اتفاقية ملزمة للاطراف الثلاثة على غرار اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، لتقنين وتأمين العلاقة الفنية والقانونية بين الأطراف والثلاثة المتشاطئة على النيل الشرقى

&ـ يحدد القسم القانوني.. تعهدات الاطراف والتزاماتها والمبادئ التى ستحكم العلاقة من حيث سريان المعاهدة وبنودها المختلفة،&

ويحدد الإطار القانونى آلية للتواجد (والمتابعة)، ويشير لحجم التخزين الذى ترتضيه الاطراف ومدتة الزمنية، وما اتفق عليه بشأن مقاييس السد والبناء المتدرج على مراحل، والمشروعات المتفق عليها مائيا وكهرباء وسكك حديدية وطرق، وما يخص الملاحق والتحكيم وآليات التشاور ولجان العمل واسلوبه، وسنعرض شكل وقواعد الإطار القانونى بشكل عام فى مقال تال. والخلاصة يتم تكليف مجموعة من الخبراء بإعداد الجزء الفنى بشكل مناسب نراعى ان نظهر فيه حسن النوايا فيما يتعلق بعملية اتمام بناء السد وفقاً لمقاييس بناء ومعدل تخزين كمى وزمنى مناسب وتدفق عادل يراعى مصالح الاطراف واستخداماتها الراهنة قدر الامكان ، على أن يتضمّن الجزء الفنى نموذج المحاكاة المناسب.

&يتم بعد الانتهاء من اعداد هذا الملف الذى يعبر عن موقف مصر وبشكل عملى جاد وعادل للاطراف الثلاثة، تسليمه من خلال زيارة رفيعة المستوى للجانب الاثيوبى لتدارسة بوصفه تعبيرا عن حسن النوايا ومصداقية الموقف المصري، وتجنباً لسوء الفهم ، ومنعاً لأى تصعيد أو مواجهة. ـ ومن الأهمية ان تقدم مصر والسودان هذا الملف تعبيراً عن موقف واحد إعمالاً لبنود إتفاقية 1959 التى تلزم الطرفين بتبنى موقف تفاوضى واحد فى أى قضايا تتعلق بإدارة نهر النيل وموارده المائية ، واذا ماترددت السودان تقدم مصر الملف.ـ لو نجحنا فى صياغة علاقة ثلاثية مستقرة بين الاطراف الثلاثة، وإدارة مشتركة لحوض النيل الشرقى ، سنؤمن ولاجيال قادمة العلاقات المائية المصرية السودانية الاثيوبية ، وبوصف النيل الازرق هو الرافد الأهم فى حوض النيل بالنسبة لمصر .ـ عند تقديم الرؤية العادلة لإدارة سد النهضة ومعدل وزمن التخزين ، يجب ان ندرك أن هناك انخفاضا ما متوقع ومحتمل سيحدث فى رصيد النهر، يجب الاتفاق مع السودان على تقاسمه اعمالا للمادة الخامسة من اتفاقية 1959، ومهما كانت خسائرنا على المدى القريب أو المتوسط فى منسوب المياه خلف بحيرة السد اثناء فترة التخزين المتفق عليها، فإن حلولا فنية لإدارة محطة كهرباء السد وفقا لمعدل تشغيل مع مناسيب منخفضة كما حدث فى ثمانينات القرن الماضى وقت الجفاف الذى لحق باثيوبيا، وبنفس الكفاءة، كما يمكن مستقبلا باستعادة فواقد النيل الابيض فى مستنقعات السد بجنوب السودان وببحر الغزال فى مستنقعات مارشال وغيرها اضافة نحو 18 ـ 22 مليار متر مكعب ، اضافة لحلول اخرى فنية كثيرة من الحوض النوبى العظيم الذى يقع على حدود مصر والسودان وتشاد وليبيا.&

ـ هذا ولدى تقديم الملف المصرى آملين ان يكون مصرياً / سودانياً ـ للجانب الاثيوبي، إذا ما تعثر المسار الحالى ، يتم دعوة وفد فنى اثيوبى متخصص فى الجوانب الفنية والانشائية والقانونية والمائية والكهربائية، للتباحث بشكل مباشر مع وفد مصرى سودانى مقابل ، فى جو محاط بقدر من الهدوء بعيداً عن الضغوط على غرار سوابق لقاءات ثلاثية مشابهة تم استضافتها في شرم الشيخ فى الماضى .&

&