مطلق بن سعود المطيري

تصاعد الخلاف بين أنقرة وبغداد على خلفية اشتراك قوة من الجيش التركي في عملية ما يسمى تحرير الموصل، أو تطهير المدينة من داعش، خلاف ليس له علاقة بشعب الموصل ومصيرهم، فأغلبهم قد غادر المنطقة منذ دخول داعش لها 2014، وتبع ذلك عمليات تهجير مبرمجة سواء لمناطق الأكراد أو خارج العراق نهائيا، والعرب الذين صعب عليهم المغادرة هم مثل بيت العنكبوت أهون البيوت، فرارهم من مدينتهم مفضل لديهم من القتال على حدودها، فكلمة تحرير كلمة كبيرة وخطيرة لا تستطيع الموصل على تحمل تبعاتها العسكرية، فوضع هذه المدينة مناسب لكل من لديه مصلحة للدخول إليها بدون تكبد خسائر أو إلحاق خسائر بها، ولكن المسرحية تتطلب إثارة المخاوف ورفع مستوى المخاطر ليكون دخول بلاد العرب السنة نصراً كبيراً..

أنقرة من مصلحتها الوطنية أن يكون لها حضور عسكري في الموصل، فغيابها يسمح باستخدام تلك المدينة في عمليات عسكرية ضدها خاصة من حزب العمال الكردي الذي ينشط في هذه المنطقة ويوجد له تحالفات من سكانها، فوجودها ليس ضروريا فقط بل مصيري، وكذلك توجد له شرعية دولية وهي المشاركة في الحرب على الإرهاب، والموصل مدينة معروفة دولياً بانها مدينة داعش، الا ان الأمر في بغداد يختلف تماما عن نظرة انقرة، فبغداد ترى بوجود القوات التركية على أرض الموصل تعدياً على سيادتها، لذلك هي تصعد الموقف بمناشدة مجلس الأمن للتدخل وإصدار قرار يدين التواجد التركي في الموصل، فكيف ستحل هذا الإشكالية؟ أنقرة لن تتنازل عن وجودها خاصة وانه كان ضمن اتفاقيات مع الحكومة العراقية وسكان الموصل، تحت هدف تدريب سكان المنطقة عسكريا لمحاربة داعش، ولها ايضا عمليات عسكرية مشتركة مع سكان الموصل ضد داعش، أي انها القوة الوحيدة التي كانت موجودة على الأرض لمساعدة أهالي الموصل بعد انسحاب قوات المالكي منها، فقد كان باستطاعتها ان تدخل الموصل وتحرره تماما من الدواعش ولكن اوقفها عن ذلك اعتبارات خاصة في علاقتها بالحكومة العراقية، ولعل في هذا مبررا يؤكد ان تركيا ليس لها اطماع توسعية، ولكن وجودها قائم على ضرورات امنها الوطني، الحكومة لا اعتبار لها مستقلا في مسالة تحرير الموصل، فالقرار في هذه القضية هي مسؤولية مباشرة تقع على طهران وواشنطن، هما من يسمحان أو يمنعان.

طهران تريد تغيير ديمغرافية المنطقة مذهبياً، لضمان الولاء والمكاسب وحتى لا تتعرض في المستقبل لاعتراض على احتلالها الكامل للعراق، أما واشنطن فكل طموحها ينصب على ان يتم اعتقال زعيم داعش أبو بكر البغدادي على يد القوات الأميركية المشاركة في عمليات تحرير الموصل، وهذا أعلى ما يطمح له رئيسها أوباما ليضيف لسجله بأنه قضى على زعماء الإرهاب، بن لادن، والبغدادي.

الذي سوف يخلص أنقرة من مأزق التدخل هي أن تقوم بعملية نوعية وتعتقل هي زعيم داعش أو تقتله، وتكون بذلك أنهت فصول المسرحية لصالحها، وكسبت الاعتراف الدولي بانها الدولة التي قضيت على داعش، القضية في الأساس مسرحية، وعقدة نصها يكمن في مصير "أبو بكر البغدادي"، فان استطاعت أنقرة حرمان أوباما من هذا المجد قبل بداية العمليات العسكرية تكون ضمنت وجود قواتها وتوجت بالدولة التي انتصرت على داعش.

&