يوسف القعيد
من عادات الزمان الأخضر الجميل التي حافظت عليها. وأتمني أن أتمكن من الحفاظ عليها في قادم الأيام. فلا أحد يعرف ماذا يحمل له الغيب؟ المرور علي باعة الصحف الذين أصبحوا يبيعون من الكتب أكثر مما يبيعون من صحافة زماننا.
ولأن القيام بهذه الجولة في منطقة وسط القاهرة. أو القاهرة الأوروبية كما يقولون أصبح مستحيلاً لأسباب كثيرة لا أحب أن أستطرد فيها. وإلا لن أكتب عما أريد الكتابة عنه.
كنت أمارس هوايتي البريئة عندما وجدت أمامي لدي الباعة كتابين لفتح الله كولن. الكتابان باللغة العربية. كتاب عنه وكتاب له. أما الكتاب المكتوب عنه فهو: فتح الله كولن ومقومات مشروعه الحضاري. ومؤلفه: علي أونال. ومترجمه: الدكتور عبد الرازق أحمد محمد. أما الكتاب الذي من تأليفه فهو: جيلنا وإشكالاته العصرية. وترجمه: أورخان محمد علي. والدكتور عبد الله محمد عنتر.
الطبعتان من الكتابين صدرتا 2016، وفي القاهرة. ومن دار نشر لم أسمع عنها من قبل. رغم متابعتي الدءوبة والتي لا تعرف الكلل ولا الملل لكل ما ينشر من الكتب. أو لما يمكن أن تقع عليه عيناي من الكتب. هذه دار نشر جديدة. تقع في التجمع الخامس، الذي يمكن القول إنه أحدث أحياء القاهرة الجديدة.
دهشة ما بعدها دهشة. كنت قد سمعت عند اشتداد الأزمة مع من يحكمون استانبول. ويتوهمون أن استعادة التاريخ ممكنة. وأنهم يمكن أن ينظروا للقاهرة كما نظر لها السلطان سليم شاه بن عثمان 1517، ولم يدركوا مكر التاريخ الذي يقول إن التاريخ يحدث أول مرة كمأساة. لكنه عندما يعاود التكرار تصبح المأساة ملهاة دون أن ندري كيف ومتي حدث ذلك؟.
كنا في غبار تلك الأزمة قد استمعنا لادعاءات استانبول الكاذبة أن فتح الله كولن يعيش في مصر. وأنهم تقدموا بطلب لتسليمه. ثم تناثرت الأخبار علي الطريقة المصرية. وقيل إنه يمتلك مؤسسة دولية تفتتح مدارس في دول كثيرة من العالم. لعل العدد الأكبر في الولايات المتحدة الأمريكية. وأن في مصر عددا من هذه المدارس يتركز في التجمع الخامس بالقاهرة.
أما طبيعة هذه المدارس. وماذا تدرسه؟ ومدي اختلافها عن المدارس الأخري. فلا توجد أخبار عنها. باعتبار أن من يمدوننا بأخبار هذه الأيام لا يوصلون ما يمدوننا به للاكتمال لا أقول الكمال لكنها تبقي علي شكل خبر من هنا وخبر من هناك. وعليك أنت أن تجمع التناقضات الخبرية لتجعل منها قصة خبرية إن شئت، وإن كان لديك وقت لتمارس هذه المسألة.
لأن كل ما في العمر اختلف. فحتي القراءة اختلفت. وكون الإنسان يعود من الخارج ومعه كتاب. فيؤجل كل ما في العمر لكي يلتهم الكتاب في أقل وقت ممكن ليسبق الآخرين في قراءته. ويوفر لنفسه متعة الكلام عنه قبل أن يشاركه في هذه المتعة الآخرون.
هذا زمان مضي وانقضي. ولا أعتقد أنه سيعود. وكلما خيل إليَّ أن عودته ممكنة. اكتشفت أنها أي عودته أصبحت مستحيلة. لذلك أقوم بعملية تعرف علي الكتاب. ألقي عليه نظرة. أتأمل غلافه. ثم أقرأ الكلمة المثبتة علي الغلاف الخلفي. إن لم يكن الغلاف الخلفي خالياً من أي كلام. وساعتها أقول لنفسي: إنها مساحة مهدرة في مكان مميز من الكتاب. فلماذا أهدرت؟.
بعد ذلك أفتح الكتاب لأنظر في فهرست محتوياته. وقد لاحظت اخيرا أن معظم الكتب حديثة النشر تخلو من بيان المحتويات. ولا أدري هل هو إهمال المؤلفين؟ أم عدم اهتمام الناشرين الذين لا يتمتعون بالقيم البسيطة التي كان يتمثلها الناشر في زمان مضي وانقضي؟.
بعد ذلك يكون القرار بقراءة الكتاب. كله أو أجزاء منه. وتلك من العوارض الحديثة التي لم يكن لها وجود من قبل. ثم إن الإنسان مع تقدم العمر ومع ما يحمله من علامات ليست حسنة. أصبح يفرق بين اقتناء الكتاب وقراءته. فكم من الكتب اشتريتها أو أهداها لي أصحابها وتم ركنها إلي أن يحين أوان قراءتها. وهكذا أصبح الإنسان يعيش في عالم من الورق.
الكتاب الذي ألفه فتح الله كولن. وهو كتاب أول في سلسلة كتب. وفي آخره إعلان عن الكتاب القادم. وعنوانه: الاستقامة في العمل والدعوة. سلسلة أسئلة العصر المحيرة. وسيصدر هذا الكتاب إن لم يكن قد صدر بعد تحت عنوان: إصدارات متميزة. وهذا يعني أن دار النشر المشار إليها. وهي دار تحمل اسم النيل، ستكون شبه متخصصة في نشر مؤلفات فتح الله كولن.
سألت نفسي: هل لها علاقة بمدارسه الموجودة في مصر؟ أم أن تناثر الأخبار جعلني أطرح هذا السؤال؟ والمدارس مدارس. والكتب كتب. هل أفصل بينهما؟ أم أن الأمرين ينطلقان من مشروع واحد؟.
الإشكالات العصرية التي يطرحها الكتاب الأول تأتي علي شكل عناوين لأسئلة مثارة يحاول المؤلف تقديم الإجابة عنها. ولأنه لا توجد إجابة نهائية لأي سؤال من الأسئلة مهما تكن بساطته وسهولته ويسره. فإن ما يقدم لا يخرج عن كونه اجتهادات فردية يقوم بها صاحب الاجتهاد.
ودون أي مقدمات للكتاب. وقد استغربت هذا كثيراً جدا. فإن كان هذا هو الكتاب الأول الذي ينشر لصاحبه باللغة العربية وفي مصر. فكان لا بد من مقدمة تعرف القارئ من هو فتح الله كولن؟ وما موقعه من الإعراب بالنسبة لما يجري في تركيا الآن؟ أما أن يبدأ الكتاب بالمقال الأول. فهذا يعني أن من قاموا بالترجمة ومن تولوا النشر ليسوا من المحترفين.
بعض الفصول لها عناوين قد تكون بعيدة عن اهتمامات صاحب الكتاب. مثل فصل يحمل عنوان: ما هو الأدب؟ وفصل عنوانه: طريق التفكير وأصوله وطريقته. الحريم في الدولة العثمانية. السلطان عبد الحميد الثاني. مكانة السلطانين ياووز سليم ومراد الأول.
أما الكتاب الثاني مقالات عن عبد الله كولن فهو بعناوين أقرب لعناوين توجه القارئ نحو نتيجة محددة سلفاً. مثل: فتح الله كولن رجل الحركة والفكر. فتح الله كولن مربياً للنفس. فتح الله كولن معمار فكري. أبرز ثلاث سمات في شخصية كولن. وهكذا.
التعليقات