فجر يعقوب 

عرضت شاشة «أون تي في لايف» أخيراً فيلماً وثائقياً بعنوان «الأستاذ» للمخرج المصري الشاب أحمد فوزي، يقارب بعض تفاصيل حياة المخرج المصري الراحل محمد خان (العرض لمناسبة عيد ميلاده) من خلال أصدقاء عملوا معه في مسيرته السينمائية. الفيلم (30 دقيقة) من انتاج المحطة، ومنذ دقائقه الأولى يكشف عن اشكالية البنية الوثائقية في صناعة الفيلم التي تترك مساحة كبيرة للمخرج ليطرح رؤيته الفنية، أو البنية الريبورتاجية التي تحتاجها الفضائيات في مباركة منها للنفس الاعلامي الآني الذي تبحث عنه في ريبورتاجات التمجيد والاحتفاء بشخصيات راحلة أو مقيمة كان يمكن استضافتها في الاستوديو بدل إطلاق صفة «الفيلم الوثائقي» عليها للحديث في هذه المناسبة أو تلك.

سبق للناقدة المصرية ماجدة خير الله أن أثارت قضية مهمة متعلقة بهذا الفيلم تحديداً عبر صفحتها الشخصية في «فايسبوك» حول سبب غياب ممثلات أفلام محمد خان عن الفيلم، وهنَّ كثيرات. المخرج فوزي قال في معرض تبريره ذلك إنهن مسافرات، أو تهربن من المشاركة، أو طلبن مبالغ كبيرة مقابل حضورهن.

إن كان الأمر كذلك فهذا لا يعفي المخرج من غياب الرؤية عن الفيلم، وهي السبب الرئيس الذي أكسبه هذه البنية الريبورتاجية المتعجلة في قول شيء عن المخرج الراحل الذي غاب قبل ثلاثة شهور تقريباً.

غياب ممثلات خان يشكل تيمة مهمة للكشف عن أشياء كثيرة متعلقة بطبيعة رؤيته للسينما قبل كل شيء، وهي لا تشكل استعداء للوسط الفني أو السينمائي الذي ينتمي اليه المخرج فوزي، بمقدار ما تطرح اشكالية قابلة للنقاش على كل المستويات. قد لا تشكل هذه الموضوعة شيئاً ذا بال عنده، أو هي ليست بالأهمية المطلوبة لإنجاز فيلم تبثه فضائية تلفزيونية يقوم عليه بالاضافة للمخرج رئيس تحرير ومشرف على التحرير ومعد وكاتب للنص ومعلق... الخ.

عدد لا بأس به من الشخصيات التي توالت تباعاً في الفيلم للحكي عن صاحب «أحلام هند وكاميليا»: مدير التصوير سعيد شيمي، المخرج مجدي أحمد علي، المؤلف الموسيقي هاني شنودة، السيناريست بشير الديك، الممثلون حمدي الوزير وأحمد راتب وهاني عادل، والممثلة فردوس عبدالحميد. وهناك بالطبع صوت الممثل ماجد الكدواني الرخيم الذي رافق الرسام ياسر جعيصة وهو يرسم بورتريه للمخرج الراحل دأب فيه كاتب التعليق الصوتي على تركيب الكلمات التي تتوافق مع خطوط البورتريه الذي لم يقدم شيئاً مهماً للفيلم اذ ينتهي به تماماً.

لا يختلف اثنان على حرفية المخرج محمد خان في عالم السينما. ترك وراءه مجموعة من الأفلام التي شكل بعضها انعطافة في السينما المصرية على صعيد الشكل والمضمون. هو «أستاذ» فعلاً، وإن كان اللقب يغيظ أحياناً. لا يبحث مخرج مثل خان عن طرق لتدريس السينما في أفلامه. أقصى ما كان يحلم به هو الاستمرار في انجاز الأفلام. «الأستذة» في حاجة الى جهد خلاق مختلف تماماً. هذا لا ينفي عنه امكان التدريس طبعاً وإعطاء المحاضرات في كيفية صناعة الفيلم من الألف الى الياء.

أما ضيوف «الأستاذ» فكشفوا بعض التفاصيل الشخصية التي ربطتهم بالمخرج خان في أوقات العمل. هذه التفاصيل غير المعروفة للمشاهد تبدو للوهلة الأولى في غاية الطرافة ومثيرة للاعجاب أحياناً، لكنها لا تكفي لصناعة فيلم وثائقي عن مخرج بقامة محمد خان. هناك أمور اشكالية أكبر تركبت منها شخصيته المثيرة للجدل. قال المخرج مجدي أحمد علي في سياق الفيلم إن خان شخصية مركبة من ثلاث هويات. هذه الهوية التي أرّقت صاحب «ضربة شمس»، بخاصة أنه لم يحصل على الجنسية المصرية ألا قبل رحيله بعامين ونصف العام تقريباً، لم تخيم على الفيلم كما تفترض الاشكالية التي صنعت منه «طفلاً أحياناً وشخصاً هرماً معذباً في أحيان أخرى».

لا يمكن الإملاء على المخرج كيفية إدارة فيلمه والوصول الى الخاتمة التي يريد. هذا شأن من شؤونه، لكن البحث في هوية «الأستاذ» المعقدة مسألة مهمة جداً. انتظار الجنسية المصرية سبعة عقود، وهو المولود في حي السكاكيني الشعبي المصري لأب باكستاني وأم مصرية ويحمل الجنسية الانكليزية، ورحيله بعد الحصول عليها بوقت قليل، يمكن أن يعطي صورة عن «القطبة المخفية» في أفلام محمد خان التي تشكلت منها هويته الحقيقية وهو يدافع عن حقوقه بالانتماء الى مصر التي ولد وعاش وعمل فيها (1942 – 2016).

أياً يكن الأمر فإن تنصل ممثلات محمد خان من المشاركة في فيلم «الأستاذ» بذرائع مختلفة قد لا يشكل سوءاً لو أحكم المخرج فوزي رؤيته في طرح موضوعة فيلمه.

بطلة «قبل زحمة الصيف»، آخر أفلام خان، هنا شيحة هي من تردد بأنها طلبت مئة ألف جنيه لقاء المشاركة في عشر دقائق. شيحة لم تنفِ أو تؤكد. ألقت بالمسؤولية على مدير أعمالها. هو من يقرر مشاركتها من عدمها. ليس قصب السبق هنا، لكن «الأستاذ» كان يستحق الحديث عن تلك الشخصية المركبة التي جبلت في أفلامه كل هذه النداءات الاستثنائية الأنثوية في السينما المصرية، وقوبلت بالعزل الاستثنائي من قبل بعض هذه الشخصيات نفسها.