ملحة عبدالله

 ما يتعلق بحملة ترامب وكلينتون.. عالم يتغير ويتحول بدعوات وأفكار اجتاحت العالم ونأخذها بعين الاعتبار بل نسعى في تنفيذها! وحينما يريد العالم وقواه العظمى التحرر منها نجدهم ينكصون على أعقابهم ونحن أيضا سنسعى في ركابهم شيء عجيب وغريب على مستوى الشعوب قبل الحكومات!

تصدعت رؤسنا وانقلبت دول رأسا على عقب بدعوات جوفاء بالرغم من أننا آمنا بها وكأنها نزلت من السماء؛ ندافع عنها وتتبناها صحفنا ويسعى الناشطون والحقوقيون والرأي العام نحو اعتناقها بل إلى تفعيلها رغما عن حكوماتهم ورغما عن مبادئهم ورغم أنف كل شيء.

ها هي الدولة العظمى والمشرِعة لنواميس الكون تنقض غزلها ودونما أي اعتبار ونحن سننقض غزلنا بالتأكيد إننا نسعى للتلبية قبل الطلب! فتعالوا نتأمل ما كان في نواميس الثورات العربية والتي ثوَّرت الدول وحركت النساء وأغضبتهن وحرضت الشباب؛ وعليه أصبحت الحكومات تلبي الطلب كي تتحاشى الفتن وكانت الكارثة التي تتداعى عليها عوالمنا واستقرارنا واقتصاد بلادنا.

ومن هذه الدعوات والصداع الفكري الذي قامت عليه مؤتمراتنا وأفردت له صحائفنا بل وتهيكلت عليه مؤسساتنا، ونحن نؤمن أنه الحق اليقين؛ لأننا لا نمتلك الذهنية الناقدة التى تفرز الغث من الثمين. فتلك هي (الأكلشيهات) التي تأخذ الحيِّز الأكبر من رؤسنا وبدون تمحيص وتحَّقق، ولكن حينما أصبح الأمر يتعلق بمصلحة أميركا ذهبت هذه النواميس إلى الجحيم وبدون أي اعتبار.

دعونا نتأمل مشكلة المرأة كيف قامت الدنيا ولم تقعد على (تمكينها، توليها المناصب، واضطهادها وغير ذلك) فنجد النساء في الميادين وفي الإعلام وفي الصفحات وفي المؤتمرات ضجيج لا حدود له -ونحن بطبيعة الحال مع حقوق المرأة وما لها وما عليها-، ولكن دونما إملاء ودونما ثورات ودونما خريف وربيع واعتصام يجد صداه الأميركان أنفسهم، فتكون الثغرات في استقرار بلادنا وأمنها حتى خربت ليبيا والعراق وسورية وكل الأرجاء فهل عملت أميركا بهذا في بلادها وهل نطق أي من دول أوروبا واتحادها ببنت شفة؛ لأن الشعب الأميركي لا يؤمن بكل هذه الأشياء ولا أحد يُملي عليه ولا ينقاد، ولا يؤمن بما يسمعه بدون تفكير. فها هو يرفض وبفارق كبير تولي امرأة لسدة الحكم، فيخرج عن بكرة أبيه ليلبي طلب ترامب؛ لأنه رجل ولا يحب أن تتولى قيادته امرأة! تماما كما في الشعوب العربية التي لا يقبل فيها الرجل بحكم المرأة، ليس لشيء إلا أنه فطر على أن القيادة للرجل منذ إنسان الكهف الأول. هكذا فطرته وبدون تدخلات وبدون تحليلات، والرجل الأميركي هو إنسان مفطور على ما فطرت عليه الإنسانية في دخيلة تكوينه بالرغم من أن هيلاري كلينتون امرأة قيادية تحفظ البيت الأبيض غرفة غرفة فهذا هو غزلهم ينقضونه!

الأمر الثاني هو دعواتهم لتمكين الشباب وكان الصداع الأكبر في رأس الوطن العربي بالرغم من إيماننا بالشباب وبتفعيل دوره والاستفادة من طاقاتهم وبدون شك؛ فهم عماد الأوطان، ولكن الأمر استفحل حتى طالبت المؤسسات الأميركية ومنها المعهد الديموقراطي بكل قادته ومثقفيه ورواده أن يملوا على العالم العربي أن يتولى الشباب القيادة حتى وبدون خبرات مسبقة فهذا هو فريدريك إنديك وتوماس فريدمان وغيرهم يعترفون في اجتماعاتهم وفي مؤتمراتهم أنهم من يحرضون الشباب على الثورات لكي يكونوا في سدة الحكم ويأسفوا لتولي سدة الحكم رجال محنكون ويعرفون كيف تدار بلادهم؛ حتى وجدنا أن مكتب رئيس الوزراء في إحدى الدول العربية يخصص مكاتبا إلى جوار مكتبه لصبية صرخوا في وجه دولهم مطالبين بأن يكونوا هم القادة (كان الله في عون حكامنا)!

ثم نجد الولايات الأميركية التي أقحمت علينا دعوات زلزلت بلداننا تختار رجلا سبعينيا لكي يقود ليس أميركا بل العالم! أين حقوق الشباب يا سيادة الولايات المتحدة الأميركية وأين حقهم في المناصب وفي القيادة وأنت من سننت هذه السنة؟! فها هي الولايات المتحدة تنقض غزلها!

دعت أيضا إلى حقوق الطبقات الدنيا من الشعب ودعت إلى حقهم في القيادة وفي المشاركة في القيادة وفي الحكم لتثويرهم، إلا أننا نجد الشعب الأميركي يختار رجلا من رجال المال والأعمال ويرفض أن تتولى ابنة الساعي قيادتهم! وليس في ذلك من عيب وإنما العيب في تبنينا نحن لغزلٍ سرعان ما يُنقَض بحسب الحاجة فهذه هي أميركا تنقض غزلها!

ولا ننسى ما صرخت عليه الولايات المتحدة بما يسمى مصداقية الإعلام، فهاجمنا قادتنا وصحائفنا (نعم نحن من يهاجم ويصرخ) لأن أميركا تدعونا إلى الشفافية والمصداقية وهذا أمر جيد ولا ننكر أننا تربينا على قواعد الإعلام من مصداقية وشفافية ولا عيب في ذلك، ولكن حينما أصبح الأمر يتعلق بأهوائهم وبمصالحهم ورغباتهم، وجدنا إعلاما مضللا وكاذبا واستطلاعات رأي وعناوين في كبريات الصحف الأميركية تنشر الكذب والتضليل والزيف فيما يتعلق بحملة ترامب وكلينتون حتى بات الأمر جليا واضحا في أن كل ما ينشر في عظميات الصحف أمر مكشوف وباهت ومخزي فتنقض أميركا غزلها!

وفي آخر الأمر نرفع القبعة للشعب الأميركي الذي يفكر ويتحقق ولا يأخذ (الكلاشيهات) ويسعى وراءها، بل يعمل ما يراه في مصلحة بلاده ولا عزاء لنا فيما نحن فيه من اللهاث وراء كل ما تغرد به الولايات المتحد لأنها بالنسبة لنا (أرض الأحلام!)

نتوقع أن يعود العالم إلى المبادئ القديمة التي عهدناها وسيعود العالم إلى الكلاسيكية التي تحترم المرأة ولا تثورها، تحترم الكلمة ولا تزيفها، تعطف على الصغير لا تقدسه، تقدر الكبير وتضعه في المقدمة ليس لشيء إلا لأن أميركا انعطفت هذا المنعطف حينما أرادت أن تحقق مصالحها.