نايلة تويني

لعلَّ المصدر الأكثر ثقة في ملف العسكريين المخطوفين منذ العام 2014 هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم الذي قال أمس إن "العمل جدي وحثيث والأجواء ايجابية في ملف العسكريين المختطفين لدى داعش". وفيما تغيب المعلومات والأدلة الملموسة عن أوضاع العسكريين المخطوفين، تستمر المساعي التي تنشط حيناً وتتوقف احياناً. ولم تتقدم المفاوضات كتلك التي حصلت في مرحلة سابقة وأدت الى تحرير العديد منهم، بعد نجاح المفاوضات التي قادها اللواء ابرهيم أيضاً لتحرير راهبات معلولا. لكن الأمل موجود دائماً.

وأذكر اني سمعت أحد الديبلوماسيين يتحدث في الموضوع، ويقول إن بلاده وضعت كل ثقتها باللواء ابرهيم، ورفضت أن يدخل على خط التفاوض أي مسؤول لبناني آخر، ودعت المسؤولين اللبنانيين الى عدم ادخال هذا الملف في المتاهات الطائفية والمذهبية، وفي التسابق بين الأجهزة الأمنية، ما دام اللواء المكلف أظهر براعة في متابعة الموضوع، كما في ملفات مهمة أخرى أهّلته لكسب الثقة. ومن المفيد عدم التشويش بأخبار غير دقيقة عندما يتعلق الأمر بحياة الناس وأوجاعهم.
ولنعد الى الملف المهم لنا جميعاً كلبنانيين، وقد حركه موت غازي عاد، ذلك المناضل البطل الذي دفع حياته ثمناً لقضية المخطوفين والمخفيين والغائبين قسراً، وأولئك القابعين في سجون النظام السوري. والذين أعدموا هناك طالب بجثثهم أو بأي آثار منهم تتيح لذويهم عيش الحداد الرسمي، بعد قطع الامل في امكان عودتهم سالمين.
القضية انسانية بامتياز، ووطنية بامتياز، ويجدر بالحكومة اللبنانية تكليف اللواء ابرهيم بما له من خبرة وعلاقة طيبة مع مختلف الأطراف في الداخل والخارج، متابعة ملف المخفيين والمسجونين في سوريا، لأنه حان الوقت بعد 26 سنة من وقف الحرب، حرب الآخرين على أرضنا، وحروبنا الداخلية أيضاً، ان يصار الى اعلان الحقيقة للاهالي، من أجل اقفال هذا الملف الذي لا يزال ينزف منذ 30 سنة واكثر.
غياب غازي عاد شكّل خسارة للمطالبين والمنتظرين والمتألمين، وخصوصاً المتألمات، أولئك الأمهات اللواتي يمضين أياما وليالي في خيمة أهالي المفقودين في وسط بيروت، وقد انضم اليهن أهالي العسكريين. ما يجري حالياً من فحوص حمض نووي لأهالي المخفيين في الحرب، قد يكون خطوة علمية، ولكن غير عملية لانه لا يوصل الى نتيجة حقيقية اذ لا يمكن مقارنة النتائج بالحمض النووي لأشخاص مخفيين.
هذا الملف الوطني الذي شكّل غازي عاد صوته الصارخ، يجب ألا يدخل في غياهب النسيان، لان طي صفحة الحرب، ان حصل يوماً، يجب الا يحصل على حساب الفقراء والموجوعين والمتألمين. وعلى الحكومة العتيدة، ان تضع هذا الملف في سلم اولوياتها.