محمد الرميحي
بعد حملة انتخابية شبه قصيرة في الكويت، ظهرت مجموعة من المعطيات مع ظهور نتائج الانتخابات التي تمت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خرج أكثر من ستين في المائة من الأعضاء السابقين، ودخل مثلهم، وفي معظمهم جدد من الشباب وقلة من المخضرمين، بعضهم يحمل أفكارًا وشعارات جديدة لإتمام مهام بناء الدولة المتصوَّرة في أذهانهم، إلا أن المسيرة الانتخابية الكويتية مرت بعدد من المنخفضات صعودًا أو هبوطًا في الخمسين سنة الماضية أو حولها، منها حل مجلس الأمة القائم عشر مرات، في تلك العقود الخمسة، وخمس مرات منها في السنوات الحرجة بين 2008 و2013، وهي حرجة لأنها شهدت الأزمة الاقتصادية العالمية التي تأثرت بها الكويت وجيرانها، خصوصًا على الصعيد الاقتصادي، كما شهدت تلك السنوات ما عُرف بـ«الربيع العربي» وما جاء به من تداعيات أثرت في الداخل الكويتي. ومع ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة ظهر لدى الصفوة في الخليج التساؤل القديم الجديد ومفاده: هل المسيرة التشاورية الكويتية هي أفضل ما يمكن أن يقود التنمية في دولة صغيرة نفطية، تشابه إخوتها في المنطقة؟ أم أن تلك المسيرة التشاورية بطريقتها وهيكليتها وممارستها تعطل التنمية؟ وهذا التساؤل ليس جديدًا، فيشتكي بعض الكويتيين من أن هناك مجتمعات أخرى قريبة حققت إنجازات تنموية متجاوزة ما حققته الكويت، وهي لم تعتمد على الطريقة التشاورية الكويتية. والبعض، هذه المرة في الخليج، يثير سؤالاً مفاده أن التجربة الكويتية بكل تجاذباتها صعودًا وهبوطًا (تجعل من دول أخرى مترددة) في اتخاذها «الأمثولة» لأنها تكثر الجدل، وتتسبب في إطالة النزاع المجتمعي، وتعرِّض النسيج الاجتماعي إلى التوتر في مرحلة صعبة من تطور المجتمعات المحيطة.
الفكرة الأخيرة ليست سائدة لدى نخب سياسية في الخليج، بل هي قناعة شريحة كبيرة من الجمهور العام، الذي يسمع صدى الشجار السياسي الكويتي صاخبًا وعاليًا. وجهتا النظر هاتان لا تعدوان أن تجدا لهما مناصرين هنا أو هناك، كما هي وجهة النظر الأخرى الثالثة القائلة: حتى لو عطلت بعض مظاهر التنمية وظهر التوتر على السطح المجتمعي الكويتي، فهو مع الأجواء المتسمة بالحرية، أكثر أمنًا على المدى الطويل للمجتمعات من تنمية قد تعطل من قدرة الإنسان على الجهر برأيه الصريح في حدود قانون ينظم ويتيح له ذلك! لأن الاحتقان جراء التعطيل قد يسبب الانفجار غير المتوقع، في ظل الظروف المتغيرة كليًا في المنطقة!
تلك أسئلة لا يستطيع أحد في الوقت الحالي أن يجيب عنها بشكل قطعي، إلا أن المسيرة الكويتية، وإن شابها ذلك الصعود والهبوط وصاحبها التوتر، مكَّنت الناس العاديين من إسماع صوتهم، وربما المشاركة في القرار. إلا أن مكامن النقد ما زالت قائمة، من حيث الفرق بين الفكرة التشاركية نظريًا، وتطبيق آلياتها عمليًا على الأرض، فتلك الآليات التي استحدثت واستخدمت حتى الآن أصابها عوار، ظهر جليًا في التطبيق خلال السنوات الماضية، بل وأقعدت الفكرة جزئيًا عن تحقيق أهدافها المبتغاة، وهو السير بالبلاد والعباد في طريق أكثر أمنًا واستقرارًا، وأكثر تحقيقًا للتنمية لمصلحة المجموع. من النقص الواضح أنه ليس هناك كتل سياسية معبرة عن جماعات لها برامج يستطيع الناس أن يحاسبوا على أساسها تلك الكتلة أو هذه، ففي الممارسة يتوجه المرشح إلى حشد الناخبين لأسباب مختلفة حتى ينال الكرسي، وبعد ذلك يتصرف كما يحلو له، دون آلية مُقننة للعودة إلى القواعد، إلا البعض اليسير. وآخرون لا يلزمهم شيء إلا بالمصالح الضيقة، فليس كل من يُنتخب هو من رهبان المعابد القديمة أو النساك! في خضم تفضيل الأقرب المصلحي على الأبعد الاجتماعي العام، يلجأ البعض إلى الخيار الأول لأنه الأسرع والأقل كلفة والأكثر حشدًا عند اللزوم! الآليات المتبعة الحالية تُقلب الفئوية والمناطقية والأسرية والرفاقية والقبلية، إلى درجة أن البعض بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة (ولول صائحًا) لأن القبيلة والفئة أو الشريحة التي ينتمي لها «فقدت مقعدها»! ولأن وسائل التواصل الاجتماعي فضاحة، فقد ظهرت تلك الولولة على سطح «تويتر» و«فيسبوك»! وهي نتاج طبيعي لعوار الآليات التي أشرت إليها آنفًا.
بعد ظهور نتائج الانتخابات، نهاية الأسبوع الماضي، انقسم الناس أو على الأقل المتابعون للشأن السياسي إلى قسمين تقريبًا؛ متشائم ومتفائل، على درجات التشاؤم والتفاؤل. بعضهم وجد أن تركيبة المجلس الجديد بشخوصها سوف تأخذ البلاد إلى الصدام، وإن تأجل في عدد من الملفات التي تعطلت في السابق، بل تذهب هذه المدرسة إلى إعطاء المجلس المنتخب فترة سماح قصيرة للبقاء! ومدرسة متفائلة بحدوث تعاون أملاً في الإصلاح وتنقية التجربة من الشوائب، بل ذهب البعض إلى القول إن المجلس المنتخب الجديد هو «بداية النضج المؤسسي»، إلا أن الأعمال السياسية لا تُحكم بالنيات والتمنيات! هي تحكم بالآليات والنتائج، وما دامت تلك الآليات لم تُصلح بعد، والنتائج متواضعة، فإن النيات، وإن حسنت، سوف تصادف طريقًا مسدودًا!
تركيبة المجلس المنتخب هي تركيبة الكويت الاجتماعية - السياسية، بعض من نجح سوف يقدم الملف الاجتماعي على غيره، أي يذهب إلى إعطاء مدونة السلوك العام أولوية، كمثل التعليم المشترك أو العلاقة بالمرأة أو مطاردة النشاط الثقافي، أو استهداف التعدد الطائفي وذيوله السياسية، الذي يرى أنه (خارج منظومته القيمية)، وآخرون سوف يقدمون مدونة الاقتصاد على غيرها من الملفات، ولن نفتقد البعض الذي يرغب في أن يقدم تسديد فواتير الحملة الانتخابية من خلال التعيينات في الدولة أو الحصول على المكاسب. تلك هي طبيعة الأشياء! إلا أن أمام المجلس المنتخب عددًا من الاستحقاقات المهمة التي سوف يراقبها الجمهور الواسع، في المقام الأول اقتصادية والثاني سياسية!
لقد اختلفت الحملة الانتخابية الأخيرة عن سابقتها في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، التي افتقد القدرة على التعامل معها الجيل الأكبر، فعجزت بعض رموزه عن المنافسة. لقد رُصِد أن «تويتر» قد لعب دورًا مركزيًا في هذا الانتخابات، إلى درجة أن بعض المرشحين اعتمدوا على تلك الوسيلة دون أية وسيلة تواصلية أخرى، فكان أن ارتفعت الإعلانات فيه عن الانتخابات السابقة 250 في المائة. والكويت هي الأعلى استخدامًا للتواصل الاجتماعي نسبة إلى حجم السكان!
إلا أن هذه الوسائل الجديدة نافعة، وقد تنقلب ضارة، حيث إن كثيرين في المستقبل لن يترددوا في متابعة الأداء لأفراد المجلس ونقدهم من خلال تلك الوسيلة. على سبيل المثال، إن قرروا إبقاء القيود على وسائل التواصل الاجتماعي التي فُرضت حتى الآن، زاد من احتمال تعرضهم للمراقبة والنقد، وإن أبقوا عليها بحجج مختلفة، زادت حدة نقدهم!
لقد استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الحملة إما «لتسويق البعض» أو «لتشويه البعض»، حتى خارج السياق الاجتماعي المعروف. ذلك لم ينفِ استخدام الوسائل التقليدية في حشد الأصوات وملخصها «تُكفى» تراني مقصود وفي وضع خطير!!
آخر الكلام:
مرحلة تشكيل الحكومة التي سوف تظهر خلال ساعات، وأيضًا انتخاب رئيس المجلس ولجانه، سوف تؤشر إلى أول طريق المجلس المقبل.. دعونا ننتظر لنرى على أي ميناء سوف ترسو التجربة في سنتها الرابعة بعد الخمسين!
التعليقات