&عبدالله لعماري&

الاتحاد الأوروبي، ذلك العملاق الذي لا يزال يحكم العالم، ويتحكم في السياسات الدولية، ويقرر في مصائر الشعوب، إلى جانب سليلته أمريكا، يخر الٱن بكل جبروته صريع أزمة أمنية، تخنق أنفاسه، فلم تستطع العواصم الأوروبية أن تحمي مواطنيها من الهلع الذي غدا يسود ويسيطر في الشوارع والمتاجر والمطارات وأنفاق المترو، بعد الضربات الإرهابية الأخيرة التي أزهقت أرواح العشرات من الأبرياء، وأضرت بسلامة المئات من الجرحى والمصابين، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية التي تتناسل يوما بيوم.&

ولا منازعة في أن الخسارة الكبرى التي منيت بها وستمنى بها أوروبا هي اهتزاز عقيدة المواطن الأوروبي في تفوق ونجاعة النظام الأمني والعسكري والاستخباراتي لأوروبا ، وما ينتج عن ذلك من اختلال الضمانات التي توفر السكينة العامة للمجتمع الأوروبي، وما يترتب عن ذلك من خلخلة التماسك بين أنسجة ومكونات المجتمع الأوروبي. فالتعايش بين المسيحيين والمسلمين وخصوصا مهاجري العالم العربي والإسلامي، قد يتهاوى، إذا لم يتم تدارك إنقاذه بسياسة إستراتيجية إعلامية وثقافية وتربوية دينية، تفسح المجال لشراكات تعاونية مع النماذج الرائدة في الاستقرار الأمني والروحي، ولعل المغرب قد يكون في هذا الصدد المثال الأبرز والأسمى، إذا لم يكن في الواقع والمعاش هو النموذج الأوحد ألمناسب لإسعاف أوروبا نظاما ومجتمعا، في التعافي من الهزات الإرهابية العابرة.

ولعل من نافلة القول، التذكير بأهمية الدور المغربي، في المضمار التعاوني الأمني، على الصعيد الدولي، وكيف كانت كثير من التدخلات والتوقعات الأمنية المغربية،واقية لمفاجٱت أمنية كارثية، داخل المجال الأوروبي وخارجه،بما استحق به التنويه العالمي من قبل كثير من مراجع الأمن والسياسة، فقد أصبح المغرب بتجربته الأمنية الواسعة، وامتدادات أذرعه الاستخباراتية، في الأعماق الٱمنة والموتورة، أصبح مرجعية مرموقة في استراتيجية الاستباق الأمني.

&على أن الاتحاد الأوروبي الملتاع أخيرا بالطعنة الإرهابية الأخيرة، لم يكن في مستوى النضج المطلوب الذي يكافئ الدور المغربي، ويتكافؤ به فيما بين الموقف السياسي الأوروبي اللازم تجاه القضية المغربية، وبين التدخلات الناجعة للمغرب حماية لأمن أوروبا، إذ كان قرار المحكمة الأوروبية الأخير، المستهدف للسيادة المغربية على كل التراب الوطني،تجليا صارخا للتنكر الأوروبي للدور الأمني المغربي، ومن شأن تداعياته أن يحرم أوروبا من هذا الدور الحمائي الاستباقي، ما لم يتدارك ساسة أوروبا الانزلقات الماسة بالسيادة المغربية.

&لكن هذه الأزمة الأمنية التي باتت تتخبط فيها أوروبا، بما أثبت سقوط منظومتها التكنولوجيا العليا أمام حفنة من الموتورين، ستظل تتخبط فيها، ما لم يتم احتواء البيئة الاجتماعية والدينية التي تستنبت الحالات التي تستطيع دائما أن تخترق التحصينات الاستخبارية المتطورة.&

ولأن التدبير الأمني والاحتراز الاستخباراتي، ولو على ضرورته، يندرج في المقام الثاني، بعد الاستراتيجية الثقافية والتربوية والإعلامية والدينية التي تحتاج الى حملات تعبوية، تضطلع بها مؤسسات، وينوء بحملها عقول ودعاة ومؤطرون ومبشرون وعلماء نفس ومحاورون، وماكينات دعائية جبارة، كل ذلك يكون مهمته ملء الفراغ الديني والإيديولوجي، الذي شكل ثغرة تسرب منها فكر الغلو والتكفير والانتقام والعداء للحضارة الغربية.

&والمغرب بمخزونه الثقافي والديني ونموذجه التاريخي في التعايش والتسامح والتلاقح مع الحضارة الغربية التي يجاورها ويتاخمها من الأزل إلى الأبد، هو المؤهل لشغل هذا الدور، الذي يملأ الفراغ في الحقل الديني الإسلامي، في المنظومة الاجتماعية الأوروبية، وهو الكفيل بٱن يسد الطريق على الفكر الداعشي الذي يصطاد بٱلته الدعائية الجهنمية، أغرار وجهلة ذراري الجاليات المسلمة في المجتمعات الأوروبية.

&فالمغرب بمؤسسته الدينية الرسمية، مؤسسة إمارة المؤمنين، ذات الامتدادات الروحية التاريخية، وبمؤسساته الدينية الشعبية، المتمثلة في الحركة الإسلامية بأبعادها الثقافية والدعوية والسياسية والعلمائية، هذا المغرب بإسلامه الرسمي، وإسلامه الشعبي، المتفاعلان أبديا، ينتصب مرجعا إسلاميا رئيسيا ضمن المراجع الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي، وهو المرجع الإسلامي الوحيد الملائم للبيئة الأوروبية، التي تحتضن الجاليات المسلمة والعربية.

&إن المغرب بنموذجه المرجعي الإسلامي الحضاري يمتلك وسائل تمنيع الحقول الحاضنة للجاليات العربية والمسلمة، حتى لا تبقى مسرحا يعشش فيها الاختراق الداعشي، فيفرخ فيها نزوعات الإرهاب.

&فهل ستستفيق أوروبا من أجل تأمين مجالها فتحتضن النموذج المرجعي الإسلامي المغربي، وتؤسس لذلك الشراكات العاملة في الميدان؟