&زاهي حواس&&

كنت أسعد الناس يوم أعلنت منذ سنوات مضت الهيئة العامة للسياحة والآثار بالسعودية ورئيسها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز خبر العثور على نقش فرعوني بواحة تيماء؛ كتبه رئيس أو أحد أفراد البعثة التجارية للملك رمسيس الثالث من الأسرة العشرين؛ أي منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة! أذكر وقتها أنني ظللت أفكر في أمر هذه البعثة، وكيف كان المصريون القدماء سبّاقين في الربط التجاري بين أفريقيا وآسيا. لقد أدرك القدماء بالفعل أهمية شبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة سيناء في نقل ليس فقط منتج تجاري أو صناعي؛ ولكن أيضًا المنتج الثقافي والحضاري لشعوب القارتين. وعندما كتبت عن نقش واحة تيماء، كنت مهتمًا أكثر بموضوع الربط الحضاري بين أفريقيا وأسيا؛ وكان السؤال الملح هو متى تستغل المملكة العربية السعودية ومصر البحر الأحمر في الربط البري بين البلدين والقارتين، بالإضافة إلى كون البحر الأحمر معبرًا بحريًا مهمًا؟! ولذلك كنت ضمن 120 مليون مصري وسعودي فرحوا واستبشروا الخير عندما أذيع خبر قيام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي بتوقيع اتفاقية بناء جسر الملك سلمان للربط بين مصر والسعودية؛ وتم بالفعل توقيع الاتفاقية أمام أعيننا خلال الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين لبلده الثاني مصر.

لا يخفى على أحد تعلق قلوب المصريين بالمملكة العربية السعودية - أرض الحرمين الشريفين - والعلاقات التاريخية بين البلدين هي صمام أمان الشرق الأوسط كله؛ والقارئ الجيد للأحداث المتلاحقة بالمنطقة يعي تمامًا أن السبب في عدم الانجراف لهاوية الفوضى الشاملة هو بقاء القوتين الكبيرتين متماسكتين. ليس هذا الكلام للاستهلاك الإعلامي ولكن للتنبيه بخطر عدم اليقين بتلك الحقيقة؛ ولذلك رأينا من فرح بزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر لأنها أخرست ألسنة من ادعوا بوجود فجوة وخلاف بين البلدين! وهناك من فرح بالزيارة لمجمل الاتفاقيات التي ستعود بالنفع على البلدين والمنطقة بأسرها؛ وهناك من فرح بالزيارة لأن الملك سلمان - حفظه الله - حرص على لقاء شيخ الأزهر ولقاء البابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة المصرية؛ ونواب الشعب المصري بالبرلمان؛ والمعنى المقصود هو رغبة الملك سلمان في أن يلتقي بالتسعين مليون مصري ويصافحهم فردًا فردًا.. وبسبب ذلك حرص المصريون على متابعة كل تفاصيل الزيارة بمختلف وسائل الإعلام. لذلك وجب علينا أن نشكر كل من ساهم في الإعداد لهذه الزيارة الناجحة بكل المقاييس من الجانبين السعودي والمصري؛ وكان واضحًا المجهود الكبير الذي بذلته سفارة المملكة العربية السعودية في مصر والسفير أحمد قطان سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر.

تبقى أمنية طرحها عليّ سائق التاكسي الذي أوصلني لمطار القاهرة متوجهًا إلى الأقصر المشرقة الدافئة، وهي على لسانه: «يا ريت يا دكتور تبلغ المسؤولين أن المصريين عايزين جسر الملك سلمان يكون فيه خطين للقطارات للبضائع وللركاب علشان اللي معهوش عربية ومحتاج وسيلة مواصلات آمن من الأوتوبيس يسافر بالقطار!! ويا ريت الرئيس السيسي يخليهم يخلصوا المشروع في سنة زى ما عمل ونفذ في قناة السويس الجديدة؛ عاوزين نرجع الخير لبلدنا وواثقين إن ربنا معانا طالما حكامنا بيجمعونا مش بيفرقونا».

انتهى كلام مواطن مصري بسيط. ومن ناحيتي ما زلت أتمنى أن يتحقق حلمي بمشروع تعاون مصري - سعودي في مجال الآثار والمتاحف؛ وأحلم بأن يقام على جزيرة تيران أول متحف أفرو - أسيوى يضم مقتنيات أثرية وفنية من كل البلدان الأفريقية والآسيوية ويكون متحفًا عالميًا يجمع شعوب الأرض ويبعث برسالة سلام من أرض الحرمين الشريفين وأرض الكنانة.

&

&

&

&