&محمد خلفان الصوافي&

منذ أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما نيته حضور القمة الخليجية في الرياض، والتي ستنعقد غداً بحضوره، والتحليلات من الأكاديميين والسياسيين والإعلاميين لتفسير الأسباب التي تقف وراء تلك النية مستمرة. والملاحظ أن أكثرها ما يزال يركز على العلاقة (العميقة) الممتدة لأكثر من 80 عاماً بين البلدين، لكن القلة التي الذين يعتقدون أن السلوك السياسي الخليجي الذي شهد تغيراً منذ قرابة السنة هو الذي دفع بأوباما لأن يعمل على تقليل خسائر السياسة الأميركية في المنطقة.&

لم تقف دول الخليج ضد توجهات الرئيس أوباما في المنطقة (عقيدة أوباما) والتي أعلنها أثناء فترة الانتخابات الرئاسية، سواء بالانسحاب الكامل من العراق وتركه منطقة مكشوفة لتزداد القبضة الإيرانية فيه وتحوله إلى دولة فاشلة، أو من خلال توقيع الاتفاقية النووية. وفي الوقت نفسه لم تستوعب هذه الدول أن يعمل الغرب على الحفاظ على العلاقة «الاستراتيجية» معها من باب أن السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي دون ضمانات واضحة من شأنه تهديد استقرار المنطقة. إنما النقطة المهمة أنها لم تظهر «عجزاً» في البحث عن بدائل وطنية وبدائل عبر الربط مع حلفاء آخرين منافسين للولايات المتحدة، بعدما اعتقد الكثيرون بمن فيهم مستشارو الرئيس أوباما، أن هناك اعتماداً كاملاً من دول الخليج على الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في المنطقة والدفاع عن أمنها، وبالتالي فإن الأمر لا يمكن أن يكون مثيراً للقلق.&

مواقف السعودية ودولة الإمارات، سواء في هبّتهما للدفاع عن الشرعية في اليمن أو تصنيف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وكذلك الزيارات المتكررة لدول العالم المختلفة، مثل روسيا والصين والهند، كشفت عن حقيقة أن الدول الخليجية تعيد التفكير في جدوى الاستمرار في سياسة الحليف الاستراتيجي الأوحد، بل تضمنت إشارة واضحة إلى أن الموقف الأميركي يحتاج إلى البحث عن البدائل وعدم الاعتماد بشكل كامل على حليف «يتمنع» عن تحمل مسؤولياته الدولية وفق ما تطلبه المصلحة السياسية، بل يعمل على «التمكين السياسي» لمن يعمل على تهديد الاستقرار في المنطقة، وهو يدرك ذلك بالأدلة والبراهين.

استطاعت السياسة الخارجية الخليجية خلال الفترة الماضية إقناع إدارة الرئيس أوباما بأن هذه دول مجلس التعاون قادرة على أن تجعل الواقعية والبراجماتية أساساً ومنهجاً للعلاقات مع الآخرين، وحتى تلك الدول التي تبدو أنها غير متقاربة في التوجهات معها. ونجاحها في هذا المسلك سبب مهم، وإن كان ليس الوحيد، جعل الأميركيين يعيدون النظر في كثير من سلوكياتهم.

&لذلك لا يمكن استبعاد أن تكون الزيارة الحالية التي يقوم بها أوباما للمنطقة ومشاركته في قمة دول مجلس التعاون الخليجي، ناتجة عن تأثير مباشر أوحت به السياسات الخليجية في البحث عن مصالحها بعيداً عن واشنطن، وفي مواجهة السياسات الإيرانية القائمة على الغطرسة في المنطقة.&

الخليجيون (خاصة السعودية والإمارات)، هم اللاعبون الأساسيون في المنطقة حالياً، والدليل على ذلك أن إيران، وهي الدولة التي راهن عليها باراك أوباما، محاصرة سياسياً وأمنياً، وربما تتم محاصرتها اقتصادياً على مستوى الإقليمي في القريب العاجل أيضاً. فالوضع في اليمن يبدو أنه في طريقة نحو الحلحلة، كما أن الوضع السوري يشهد «بعض التفاؤل» نحو انفراج سياسي، أضف إلى ذلك أن تنظيم «داعش» بدأ يتراجع تأثيره.. وهي الملفات التي كانت تديرها إيران لمصلحتها وتغض الولايات المتحدة الطرف عنها.&

وفي ظل هذا التفوق السياسي الخليجي، يبدو أن الرئيس الأميركي سيستمع من القادة الخليجيين إلى رسالة خليجية جديدة في التعامل مع شؤون المنطقة ومصالحها مستقبلاً، وهي رسالة تختلف عما كان يحدث في السابق!&

تصرفت السياسة الخليجية خلال العام الماضي باستقلالية كاملة في الملفات التي تهدد استقرار المنطقة، وأثبتت للمراقبين في العالم قدرتها على قيادة المنطقة والتأثير في الملفات الإقليمية دون الإساءة إلى أي قوى دولية أو إقليمية. فلم يخضع قرار الحرب في اليمن لإرادة واشنطن، كما استمرت في سياسة الضغط على «الإخوان»، مع أن هذه السياسة ترفضها إدارة أوباما بشدة. لذا، لا ينبغي التراجع عن هذه المكاسب التي تسببت فيها سياسة أوباما دون قصد، لكنها خدمت السياسة الخليجية.

&بالمراقبة والمتابعة، فإن الخليجيين لا يتطلعون إلى الولايات المتحدة حالياً بالقدر الذي كان عليه الأمر قبل توقيع الاتفاقية النووية التي قلبت الموازين العقلية، بل إن التركيز على العنصر الوطني وعلى الدول القريبة جغرافياً، وإن كانت ذات قدرات محدودة، قد يكون من النقاط الإيجابية التي حققت جزءاً من المصالح الخليجية.