&محمد صالح السبتي&

للمرة الرابعة في مدة ولايته يزور الرئيس أوباما المملكة العربية السعودية، وآخر هذه الزيارات الأربع كانت القمة الخليجية الأميركية التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي، عدا كثير من الزيارات التي قام بها كبار الساسة الخليجيين للبيت الأبيض، ومن نافلة القول أن نذكر أن هناك قوة خليجية سياسية بدت تأخذ مكانها بين القوى الإقليمية، وبدا أن أحدا لا يمكنه تخطيها إذا ما أراد أن يضع رجلا في المنطقة، فليس في الدول العربية كلها التي يزيد عددها على عشرين دولة أي تجمع أو مجلس يضم عددا من الدول كما هي الحال في مجلس التعاون الخليجي، الذي بدا متماسكا في سياسته الخارجية ومواقفه في خضم تشرذم عربي شامل، كما استطاع هذا المجلس أن يشكل نواة عربية إسلامية سرعان ما بدأت الدول العربية بعد أحداث الربيع العربي تتعاون معه وتتخذ بالاشتراك مع دوله مواقف سياسية مشتركة، بل مواقف عسكرية أيضا حتى غدا عدد الدول العربية التي يلتئم شتاتها مع دول الخليج يفوق نصف الدول العربية، وكان هذا التجمع الخليجي نواة أيضا لتجمع إسلامي حتى أصبح اليوم قوة إقليمية تجلس على كراسي القوى الإقليمية التي لا يمكن تجاوزها بحال، ولهذا فإن لقاءات قادة العالم أو أمناء التجمعات الدولية وحضورهم إلى منطقة الخليج يفوق بكثير لقاءاتهم مع مسؤولي الجامعة العربية مثلا.

عندما بدأت هذه النواة الخليجية العربية تتشكل وظهر لها أثناء أحداث الثورات في كثير من البلاد اختلاف نهجها عن نهج أميركا، وأن لهذه الأخيرة أجندة خاصة بها قد لا توافق أجندة هذه النواة، قامت دول الخليج والدول العربية المتوافقة معها سياسيا ببناء أو إعادة بناء تحالفات عالمية جديدة، وفتحت آفاقا لمثل هذه التحالفات، وأرسلت إشارات للولايات المتحدة الأميركية أننا قادرون على التعاون مع مراكز القوى العالمية الأخرى لحفظ أمن واستقرار منطقتنا بما يوافق أجندتنا.

&بروز هذه القوة وعملها على فتح آفاق التحالفات الجديدة كل هذا يشكل تغيرا في سياسة دول المنطقة بعد التغير الذي طرأ على السياسية الأميركية فيها، كانت التجمعات العربية قديما تكتفي بإلقاء اللوم على أميركا فيما تقوم به أو فيما لم تقم به من أعمال، اليوم هناك تغير... هناك قوة عاملة تعمل وتمتنع عن عمل بما يحقق مصالحها القومية دون انتظار للقرار الأميركي، هذا كله جعل السيد أوباما يكرر زياراته للمنطقة، كما أن مسؤولي حكومته يترددون على هذه المنطقة أكثر مما يزورون غيرها.

بعد هذا لعل من أهم أهداف زيارة الرئيس أوباما الأخيرة هو محاولة إنقاذ أو ترميم تحالف الولايات المتحدة الأميركية مع دول المنطقة بعد أن أضرت بها السياسة الأميركية في السنوات الأخيرة، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن حاجة الرئيس أوباما لمثل هذه الزيارة الآن أكثر من حاجة الدول الخليجية لها، خاصة أن محاولة إنقاذ هذه التحالفات أو محاولة ترميمها مفيد جدا لحزبه الحاكم في الانتخابات الأميركية القادمة.

وإن كانت محاربة الإرهاب هي العنوان الأبرز للقمة الخليجية الأميركية فإن الأهم منه وضع موازين عادلة لهذه المحاربة والبعد عن الانتقائية فيها، فمحاربة "داعش" عند الخليجيين تتساوى مع محاربة الأجندة الإرهابية لإيران مثلا ورعايتها لتلك الميليشيات الإرهابية وتدخلاتها في شؤون المنطقة بما يزعزع استقرارها وأمنها، ولسنا ببعيد عن السياسة الأميركية العوراء في تعاملها مع القضية الفلسطينية حين رعت وحمت المعتدي الإسرائيلي ضد المظلوم الفلسطيني، وكان مؤدى ذلك كثيراً من الأزمات التي تعيشها المنطقة منذ سنين طويلة.

على الساسة في البيت الأبيض أن يعوا أن "الصحراء" ليست بعاجزة عن أن تلتف حول نفسها وتجمع أشقاءها في خيمتها وليست بعاجزة على خلق تحالفات جديدة وهي تريد محاربة الإرهاب إيرانيَّه وداعشيَّه.