&محمد علي فرحات

اليوم استفتاء الشعب البريطاني على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الانسحاب منه. ثمة حجج لكل فريق والنسب متقاربة. وما يهمنا كعرب هو استخدام موجات اللاجئين الآتية عبر القارة الأوروبية، ومعظمهم سوريون، واحدة من حجج مؤيدي الانسحاب.

اللاجئون أيضاً يُحدثون تغييراً في الأردن، مع الاستنفار الاستثنائي الذي أعقب عملية إرهابية انطلقت من تجمع لهؤلاء في الجانب السوري من الحدود (مخيم الرقبان)، ويراها الأردنيون مؤشراً إلى زعزعة الاستقرار بعد ما جرى في مخيم البقعة وحادثين سابقين تعرضت لهما قوى الأمن. ثمة خلايا نائمة لا ينكر وجودها أحد، ولكن، هذه المرة، يشار الى احتضان اللاجئين السوريين قوى إرهابية.

الأردن ولبنان مرشّحان للالتحاق بالانهيارات العبثية في العراق وسورية حكومة وشعباً، نظاماً ومعارضة، طوائف وإتنيات. لكن البلدين يقاومان الرياح الصفراء، كل وفق إمكاناته، فالأردن المستقر سياسياً عبر حكم وحكومة يحظيان بثقة الشعب أو غالبيته، استطاع الصمود أمام عواصف عاتية، من الزحف الناصري في الخمسينات، إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي أعقب هزيمة 5 حزيران (يونيو) 1967، إلى جموح منظمات المقاومة الفلسطينية في العام 1970، إلى محاولات الرئيس السوري حافظ الأسد فرض وصايته كما فعل بلبنان. ثمة وعي لدى الأردنيين بتلازم وجودهم مع الاستقرار السياسي، خصوصاً أن لبلدهم أطول حدود مع إسرائيل، وهو يتولى التوازن بين علاقته بمجلس التعاون الخليجي وضغوط الجوار الجغرافي العراقي والسوري.

استقرار الحكم هذا يفتقده لبنان الذي تحكمه طبقة سياسية ضيقة الأفق وغارقة في التناقضات، لكون معظمها طالعاً من قيادات الحرب الأهلية ومن تقليد سيئ يربط الزعامة السياسية بالتبعية لمراكز قوى إقليمية ودولية، لذلك تعجز هذه الطبقة عن انتخاب رئيس للجمهورية وتبعث الشلل في البرلمان والحكومة، وهي تعرض يومياً بلا خجل فسادها أو حمايتها الفاسدين (اللافت أن المجتمع المدني اللبناني أكثر وعياً ووطنية من النخبة الحاكمة، وهو من علامات تمدُّن الشعب اللبناني التي تقاوم عوامل الانهيار).

وإذا كانت قوى الأمن الأردنية تهتم بكشف الخلايا النائمة، فلدى لبنان ما هو أبعد من خلايا تكشفها أجهزته يوماً بعد يوم. ثمة قواعد للإرهاب في التلال الفاصلة بين جبال لبنان الشرقية والقلمون السوري. يخوض لبنان حرباً مع الإرهاب على رغم سلطته المفككة والمنقسمة بين تأييد النظام السوري ومعارضته. ومن باب التندُّر القول إن الخلافات السياسية اللبنانية تشكل بديلاً لنقل الحرب السورية إلى لبنان. لن يبقى الوضع في هذه الأجواء السلمية، لأن النظام السياسي اللبناني الفاسد هو المعبر الى التحاق لبنان بالجحيم السوري والسبّاق في ذلك هو «حزب الله» المنخرط في الحرب السورية. أيدي اللبنانيين على قلوبهم، لأن الرعايتين العربية والدولية للوطن الصغير تتراجعان، ويبدو المشرق العربي كله في سلة واحدة، سلة من معدن تحترق حمولتها ولا يذيبها الحريق.

الأردن ولبنان يقاومان، واللجوء السوري بدوره يقاوم استخدامه لإلحاق الأذى بمضيفيه. الضحية الخائفة يراد لها أن تكون أداة للتخويف في أوروبا كما في البلاد العربية الشقيقة، لأن عودة السوريين إلى ديارهم شبه مستحيلة ومخيماتهم في الأردن ولبنان تشبه أحوال المخيمات الفلسطينية عام 1953: خمس سنوات على تأسيس إسرائيل، ومثلها على خطف الثورة السورية.

ثمة حاجة لمقاربة شجاعة أردنية- لبنانية لفيض اللجوء تحافظ على الإنسان السوري داخل بلده وخارجه، وتعتبر الأمر هدفاً استراتيجياً يعلو على الأهداف السياسية العابرة في منطقة صارت مركز صراع عالمي. هناك حوالى 5 ملايين لاجئ خارج سورية، يتحمّل الأردن ولبنان حوالى نصفهم، لذلك يحق لهما إعلاء المشكلة على أي مشكلة أخرى تحفل بها عناوين الصراع في المنطقة. والوقت ليس في مصلحة البلدين ولا في مصلحة اللاجئين السوريين، فالعنصرية تتفاقم، وهي عند شعوبنا أكثر خطورة منها في أوروبا، فالتسامح شبه غائب عن ثقافة عربية عشائرية لم تتقبل الديموقراطية وابتعدت من سماحة الإسلام ولم تأخذ من تاريخ المسلمين سوى هوامش عنصرية.

العين على الأردن ولبنان، وحفظ البلدين يدفع الأذى عن بلدان بعيدة، عربية وإقليمية. إنها رياح العراق وسورية الصفراء تملأ الأفق، فلا يصح أن نخبئ الرؤوس بالرمل.