جيفري كمب

في الثاني من شهر مارس 2015، شارك 121 من كبار المسؤولين عن السياسة الخارجية والمتخصصين في القضايا الأمنية للحزب الجمهوري في التوقيع على رسالة تفيد بأن «دونالد ترامب» شخص غير مقبول كمرشح عن الحزب لحملة الانتخابات الرئاسية. وقد انطوت تلك الرسالة على الشيء الكثير من الظلم والقسوة.

وفيما يتعلق بأسلوب تناول ترامب لملف الإرهاب، تقول إحدى فقرات الرسالة: «إن بغضه الشديد للخطاب الإسلامي وعداءه المكشوف له، يضعف من جدية حملة محاربة التطرف الإسلامي، ويؤدي إلى تردد العالم الإسلامي عن تقديم المساهمة الفاعلة فيها». وربما كان أولئك الجمهوريون الذين قرروا الامتناع عن توقيع الرسالة في ذلك الوقت، بمن فيهم وزراء الخارجية السابقون جورج شولتز وجيمس بيكير وكوندوليزا رايس، يأملون بأن يحظى ترامب بالتسمية ليصبح لاعباً قابلاً للتعلم ضمن الفريق الحزبي. ومنذ اليوم الثاني من شهر مارس الماضي، كان أهم مسؤول من بين «الجمهوريين» من رافعي شعار «لا لترامب»، هو ريتشارد أرميتاج الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية خلال الولاية الأولى للرئيس بوش الابن ثم عمل بعد ذلك مع كولن باول.

وكان لشعور الانتصار الذي راود ترامب، وردة الفعل الفارغة من المضمون المنطقي التي صدرت عنه عقب جريمة أورلاندو الأسبوع الماضي، وطريقته في إطلاق التصاريح الغريبة حول مدى ما كان سيتمتع به النادي الليلي الذي شهد تلك الواقعة المؤلمة من أمن وسلام لو كان أعضاؤه يحملون المسدسات، وكذا دعواته ذات النبرة متزايدة الشدّة لتكريس العنصرية ومراقبة المساجد في الولايات المتحدة.. أن تقوّي جميعاً الانطباع بأنه سيكون قائداً عاماً خطيراً للقوات المسلحة، يفتقر للقدرة على تحمل المسؤولية لو فاز في الانتخابات. ومنذ حادثة أورلاندو، انخفض تصنيفه في استطلاعات الرأي بالمقارنة مع هيلاري كلينتون، وبدا وكأن حملته الانتخابية تقوم على الفوضى والتشوّش.
وفي يوم 21 يونيو الجاري، وعلى نحو مفاجئ ولم يكن متوقعاً، أقال ترامب مدير حملته الانتخابية «كوري ليواندوفسكي» الذي كان رفيقه الذي لا يبتعد عنه منذ أعلن ترشحه. ونقلت الأخبار أيضاً خلال الأسبوع الماضي بأن قدرة ترامب على زيادة الأموال الخاصة بحملته الانتخابية ضئيلة للغاية، بالمقارنة مع الرصيد البنكي الذي تحظى به حملة هيلاري. وأشار محللون أيضاً إلى أن ترامب لم يعد يمتلك أكثر من 30 ناشطاً مدفوع الأجر في الولايات كلها للتحضير لحملته الفاصلة في نوفمبر، بينما توظف هيلاري أكثر من 120 ناشطاً في ولاية أوهايو وحدها.

والآن، بلغت حملة ترامب من الفوضى وسوء التنظيم الحدّ الذي دفع بعض المحللين لتشبيهه ببطل رواية «المرشح المنشوري» لريتشارد كوندون، والتي تحكي قصة فتى من عائلة أميركية عريقة يقع في أيدي جواسيس شيوعيين فيقومون بغسل دماغه حتى أصبح مجرماً قاتلاً وجاسوساً مخلصاً لهم، رغم ما يتقلده من مناصب رفيعة في وطنه. ومن المتوقع أن يزداد انتشار مثل هذه الروايات والقصص حول ترامب خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.

ولقد بدأت الملايين التي دعمت ترامب ترى بأنه إذا لم يتمكن من التحول إلى «مرشح عادي» ويبدأ بقراءة النصوص الجاهزة الخاصة بمن سبقه من مرشحين، فسوف يصبح مرشحاً مخيباً للآمال كبقية السياسيين. ولم يحظَ ترامب بالشعبية في أوساط مؤيدي الحزب الجمهوري إلا لأنه شخص غير عادي. وكان وجه الغرابة يكمن في أسلوبه الذي تركز على طلب التأييد من الأميركيين الذين خاب أملهم بالسياسات المتبعة في واشنطن وخاصة في الكونجرس، والذين أصابهم نوع من الملل والقنوط بسبب الوضع العام. إلا أن الفوز في الانتخابات الرئاسية يتطلب البراعة الفائقة في ممارسة لعبة معقدة تجري على أرضية تتميز بأعلى مستوى من التنظيم وتدور أحداثها في الولايات الرئيسية، وهي التي ستحدد مدى القدرة على استقطاب أصوات الناخبين، وهذا يعني أنه من الضروري أن تقف في صف المرشح عناصر مختلفة وأساسية مثل آلاف المتطوعين والطواقم المتخصصة والكفؤة، فضلاً عن الحملة الإعلامية المتواصلة التي تروّج له. ووفقاً لهذه الاعتبارات، يمكن القول إن ترامب غير مهيأ الآن لهذه العملية. ويضاف إلى كل ذلك أنه يواجه معارضة قوية حتى من أقوى التيارات السياسية داخل الحزب الجمهوري ذاته. ولقد ظهرت بوادر توجّه من بعض هذه الفئات لرفض ترشيحه أثناء انعقاد المؤتمر العام للحزب بمدينة كليفلاند بولاية أوهايو في 18 يوليو المقبل. وإذا لم يسارع إلى وضع حدّ للحرب الإعلامية التي تقوم ضده قبل انعقاد مؤتمر كليفلاند، فسوف تطيش كل آماله بالفوز في انتخابات نوفمبر.