مصطفى السعيد&
تواجه حركة حماس أصعب مأزق منذ نشأتها، قد يهدد وجودها، أو علي الأقل دورها وأهدافها ومكانتها، فهي مطالبة بتسديد فواتير أخطائها الخاصة، إلي جانب حصة كبيرة من خطايا جماعة الإخوان »الأم«، بعد أن دارت بها الأوضاع، لتتجرع من علقم القاع، بعد أن ذاقت شهوة السلطة.
لم تخسر حركة حماس مكانها في القاهرة ودول الخليج فقط، بل ضاقت بها الدنيا، ولم يعد بإمكانها أن تحظي بالترحاب ممن أغووها بسلطان الخلافة الإسلامية، فبعد تقليص وجودهم في العاصمة القطرية الدوحة، باعهم الرئيس التركي أردوغان في صفقة المصالحة مع إسرائيل، والتي تضمنت عدم السماح لأعضاء حركة حماس بممارسة أي نشاط في تركيا يمكن أن يضر إسرائيل، وخدع أردوغان خالد مشعل زعيم الحركة عندما التقاه قبل توقيع الاتفاق بيوم واحد، وطمأنه بأن الاتفاق سينص علي رفع الحصار عن غزة، ليجد نصا هزيلا عن توصيل مساعدات عن طريق ميناء أشدود الإسرائيلي، في تأكيد واضح علي استمرار الحصار.
كانت حركة حماس قد باعت أهم داعميها عندما أعلن خالد مشعل عن وقوف الحركة وجماعة الإخوان إلي جانب المعارضة المسلحة في سوريا، ووجهت الحركة السلاح الذي تسلمته من دمشق في وجه الجيش السوري، الذي كان يتولي تدريب وتسليح عناصر حماس، ومنحت السلطات السورية حماس مقرها الرئيسي في دمشق، ومعه امتيازات وأموال وتحالف استراتيجي، ومن خلف دمشق كانت إيران وحزب الله يدعمان الحركة بكل ما تحتاجه، بوصفها أكبر قوي المقاومة علي الأرض الفلسطينية.
وإذا كانت حركة حماس تنفي أنها حملت السلاح إلي جانب جماعة الإخوان في مصر، فإنها تعترف بوقوفها مع إخوان سوريا الذين يحملون السلاح ضد الجيش السوري وحلفائه، جنبا إلي جنب مع داعش والنصرة وغيرها من الجماعات التكفيرية، وهو ما يعني أنها أحرقت كل مراكب العودة إلي مقرها الرئيسي في سوريا، أو حتي مجرد الوجود السياسي. وعندما كانت جماعة الإخوان تعتقد أنها اقتربت من حلم الخلافة بالتعاون مع تركيا وقطر أعماها الغرور، وبدأت تفتح مكاتب داخل دول الخليج دون حتي إخطارها، وكأن دول المنطقة قد أصبحت تابعة لسلطان الخلافة الإخوانية، وهو ما أثار مخاوف دول الخليج من مخاطر الطموحات الإخوانية المبكرة، وتصرفهم بهذا الصلف قبل أن يبلغوا غايتهم، فماذا سيكون حالهم لو نجحوا في بسط سلطتهم من سوريا إلي المغرب العربي؟!وإذا كانت حركة حماس تنفي وجودها المسلح إلي جانب ميليشيات جماعة الإخوان في مصر، فإنها لا يمكن أن تنكر وجود عناصرها في ميدان التحرير بالقاهرة والقائد إبراهيم في الاسكندرية واعتصام رابعة،ومعهم عناصر من إخوان سوريا ينشدون أهازيجهم المعروفة، ويحملون صور أردوغان ومحمد مرسي، مثلما شوهدوا في الإسكندرية واعتصام رابعة.
هكذا لعبت حماس مقامرتها الكبري، اعتمادا علي ورقتي قطر وتركيا، وفقدت الورقتان الكثير جدا من قيمتهما، وأدركت حماس بعد فوات الأوان أنها خسرت المقامرة، ولكن عليها المضي فيها إلي نهاية الطريق، ولهذا كان بيان جماعة الإخوان وتصريحات قادة حماس حول الاتفاق التركي الاسرائيلي خجولة وخادعة لجماهيرها، ولم تذكر أي كلمة انتقاد أو استنكار أو حتي لوم أو عتاب، بل تحدثت عن مكاسب وهمية، وأن الدعم التركي مستمر، وحصار غزة سينتهي. وقالت الجماعة في بيانها إنها ترحب بالجهود التركية من أجل تخفيف الحصار عن غزة، ووصفته بالجهد التركي المشكور، وهو ما يعني استمرار تصدير الوهم عن الخليفة العثماني، والتمويه علي أنه باع الفلسطينيين عندما أدرك أن دولة الخلافة أصبحت سرابا، بينما يتمسك الإخوان بهذا السراب، ويعتبرونه مكسبا. أمام حركة حماس خيار طرحته إسرائيل وأردوغان، وهو إقامة محطتين للكهرباء وتحلية المياه، ويمكن إمدادهما بالوقود، وأن تعمل حماس في جباية المال من سكان غزة، نظير المياه والكهرباء، وبيع المياه والكهرباء بشرط التخلي عن حمل السلاح، وإلا فلتختار استمرار الحصار بلا نصير، وفي حالة الاتفاق علي مشروعي تحلية المياه وتوليد الكهرباء فإن تعطيش وإظلام قطاع غزة سيكون تحت رحمة بضعة صواريخ من طائرة إسرائيلية إذا ما تعرضت إسرائيل لأي نيران من الجانب الفلسطيني، وسيكون مطلوبا من حماس أن تصبح شرطيا يضبط أي فلسطيني يحاول مقاومة إسرائيل. أما زيارات بعض القيادات الحمساوية طهران بين وقت وآخر، فقد لا تزيد عن كونها تلويح بالقدرة علي إعادة العلاقات مع إيران إلي ما كانت عليه، لمجرد تحسين شروط تفاوضها مع إسرائيل، بوساطة تركية وقطرية، لكن رغم برجماتية إيران فمن الصعب أن تثق بحماس مجددا، وأعلنت مرارا أنها ستمنح دعمها لكل الفصائل الفلسطينية المسلحة، ملوحة أيضا بوجود بدائل لحماس.من الصعب أن تحافظ حركة حماس علي نفوذها في ظل التقلبات الحادة في مواقفها، وفقدان الثقة في أخلاق وسياسات قادتها، بعد أن تغلب طابعها الإخواني المراوغ علي الولاء لقضية ومصلحة الشعب الفلسطيني.
جرائم حماس لم تسيء فقط لشعوب مصر وسوريا والعراق وغيرها من الدول التي حاولت جماعة الإخوان العبث بمصيرها، إنما أجرمت أولا في حق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والمخيمات، لأنه يدفع ثمن أخطاء حركة تلاعبت بمصيره ومستقبله وأساءت لنضاله وتضحياته، ومازالت تعتقد أنه رهينة حسابات جماعة الإخوان، ويمكن أن تبيعه مثلما باعه أردوغان.
التعليقات