&أشرف العشري

مع استمرار انعقاد القمة العربية، فى يومها الثاني، اليوم، فى العاصمة الموريتانية نواكشوط، مازلت أسمع عبارات الأسى والحسرة على الماضى التليد للعرب، الذى ذهب إلى غير رجعة وعدم استحسان انتظار مفاجأة من العيار الثقيل، لقرارات ومواقف جريئة تخرج عن هذه القمة، بل إن البعض ومن أسف هم كثر، بات يرى أن العرب باتوا على حافة الخروج من التاريخ، خاصة بعد أن صار الوضع فى المشهد العربى مزعجا ومنذرا، وسقطت عبارات العروبة والتضامن العربى من أدبيات السياسة والدبلوماسية العربية.

ومن جانبي، بحكم الاهتمام والخبرة بالملفات العربية، لا أرى أن الوضع على كل هذا السوء، ويجب ألا نغرق جميعا، فى مصر والعواصم العربية، فى الإفراط بالمراثى أو تشبيهات السوء أن العرب يعيشون حاليا كالنعاج، حيث التاريخ يعلمنا ويذكرنا أنه كم من الملمات والكوارث ضربت مسارات الأمن القومى ونالت طعنات نجلاء من العروبة والعرب، ولكن فى نهايات غمار المعارك والكوارث، خرج العرب وأفشلوا سيناريوهات التقسيم والتشظي، وهزموا وسحقوا الأخطار وأفشلوا المؤامرات والمكائد وفككوا كثيرا من الأفخاخ التى نصبت، وأزالوا حقول الألغام التى زرعت، خاصة أن الخلافات بينهم ليست جوهرية، بل مرحلية.

نعم أعلم مثل الملايين من عرب هذا الإقليم، أن هناك قلقاً حقيقيا فى العالم العربى على الأمن القومى العربي، على حدود دوله والصراخ من تفكك نظمه وأقاليمه، وأن الجزء الغاطس فى قضية الانهيار والتفكك العربى أكبر من الجزء الذى ظهر منه، وأن واقع الحال يعبر عن واقع مأساوى متكرر ومسكوت عنه فى بعض الدول.

وأنه فى ظل حالة الفوضى والفراغ تحاول قوى خارجية مثل إيران وداعش، الاستيلاء على العديد من البلدان والعواصم العربية، فى سياق لم تعرف له المنطقة مثيلا من قبل.

من أجل كل هذا، مازالت لدى القيادات المحترفة وأصحاب الدول المحورية والثقل السياسى فى عالمنا العربي، وفى المقدمة منهم مصر والمملكة العربية السعودية، والإمارات والجزائر فرص تلوح فى الأفق لإمكان وقف هذا النزيف ومنع هذا الهدر المتدفق من الانهيارات والتشقق والشقاق، وزلزال التدمير والتخريب والتوحش الإرهابي، وهذا ما رأيناه بالفعل فى جلسات اليوم الأول، أمس، من أعمال القمة العربية فى موريتانيا، حيث كانت الكلمات والمواقف منبئة وكاشفة بأن هناك إدراكاً حقيقياً ونية متوافرة وعزيمة لا تلين، وصلابة لا تعرف اليأس أو الإحباط، بإمكان إنقاذ هذا الوضع الكارثى فى العالم العربي، خاصة بعد أن عادت مصر بقوة من العام الأخير لتكون اللاعب الأول والحاضنة الأعلى والغطاء السياسى الأكبر فى عالمها العربى لإطفاء الكثير من الحرائق المتعددة فى الدهليز العربي.

واذا جاز لنا أن نتصارح فى هذه النقطة، أن هذا الوطن مصر وحده القادر بعون ودعم عواصم عربية كبرى خليجية ومغاربية، بات هو القادر، وتبقى مصر أكبر درع للأمة فى هذه اللحظات، حيث ثبت بالتجربة واليقين أنها برغم المحن الأخيرة التى تعرضت لها وغدر الزمان ومناكفات دول الإقليم المارقة، قادرة على الصمود والبقاء.

والآن بعد امتلاكها السيف والدرع بعودتها، وقوة حضورها للإقليم، وإعادة تحديث وبناء قوة جيشها واحترافيته، حيث تاريخ وصلابة وقوة الجيش المصري، يكتب أمام أعين الجميع حاليا ومن هنا يمكن للوفد المصرى فى القمة استغلال مناخات هذه القمة العربية التى تنتهى اليوم، من إقناع القادة والزعماء العرب فى تغيير الأدوات والوسائل التى ثبت على مدار الأعوام السابقة، فشلها وتعثرها، والاتفاق على آليات واستراتيجيات عربية جديدة يمكن الاعتماد والبناء عليها، عبر إطار زمنى وسلة متكاملة من المواقف شبه الجماعية، لوضع حلول عاجلة لأزمات مستحكمة مثل سوريا والعراق وليبيا، وإطلاق يد الجامعة ودولها مع مصر لتوفير استحقاقات تفاهم وتلاق مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، باعتبار أنهما وحدهما حتى هذه اللحظة يملكان مفاتيح الحلول لأزمات سوريا والعراق وليبيا.

ناهيك عن ضرورة نجاح مصر والمملكة العربية السعودية، حسب الاتفاق الأخير بعد قمة القاهرة الأخيرة بين الرئيس السيسى وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فى أبريل الماضي، للضغط والإقناع للقادة العرب بضرورة إقرار مشروع القوة العربية المشتركة، بعد أن انتهت الجامعة ورئاسات الأركان العربية من إعداد النظام الأساسى وكل الأمور اللوجستية، بإنشاء هذه القوة، ويبقى قرار خروجها إلى النور من أجل ضرب فلول الإرهاب وتحصين دول المنطقة وأمننا القومى العربي، وعندها ستتوافر مظلات الحماية للأمن القومى العربي.

أكتب وأتمنى أن أكون متفائلا وتخرج القمة العربية اليوم، بقرارات جريئة وتفاهمات وحلول لسيناريوهات إنقاذ الوضع العربى من خارج الصندوق، وإيجاد ممرات إجبارية لا عودة عنها لإطفاء حمم الحرائق العربية المشتعلة حاليا مع امتلاك القدرة والإبداع السياسى العربى فى فتح النوافذ فى الجدران المسدودة.