سركيس نعوم


ظنّ اللبنانيون في الأسابيع الماضية أن الصدام اللبناني – الفلسطيني سيبدأ من صيدا و"مخيّم عين الحلوة" الواقع في محيطها. 
والدافع الى هذا الظنّ كان المعلومات التي سُرّبت الى وسائل الاعلام عن زيادة وتيرة الاجتماعات بين الفصائل الفلسطينية، وأهمها حركة "فتح" في إطار منظمة التحرير وحركة "حماس" والفصائل الاسلامية المهمة من جهة، والمرجعيات السياسية والأمنية والعسكرية اللبنانية من جهة أخرى. والدافع إليه أيضاً كان الاشارة علانية وعلى نحو شبه رسمي الى تحوّل بعض أحياء "عين الحلوة" مناطق سيطرة لفصائل فلسطينية تتعاطى مع "داعش" وأمثاله. 

والإشارة في الوقت نفسه الى إيوائها "إرهابيين" إسلاميين وخلايا نائمة. والدافع إليه ثالثاً كان الحديث عن استعداد هؤلاء وحُماتهم لتنفيذ عمليات إرهابية في صيدا ولاحقاً الى السيطرة عليها وقطع طريق الساحل على الجنوبيين الشيعة في غالبيتهم. ومن شأن ذلك إشعال حرب مذهبية لبنانية - فلسطينية ولبنانية – لبنانية وخصوصاً بعدما انتشر الاحتقان بين المذهبين الأكبر في الاسلام، وبعدما "نقّزت" عمليات التفجير التي حصلت في الضاحية الجنوبية للعاصمة (الشيعية) وفي محيطها (السفارة الايرانية والملحقية الثقافية الايرانية) الشيعة جرّاء الاشتباه بأن بعض المفجّرين أتوا من مخيمات فلسطينية! علماً أن العداء القديم الذي تسبّبت فيه حرب المخيمات في حرب السنتين لا تزال بذوره مغروسة في النفوس، وعلماً أيضاً أن الشيعة في حينه لم يخض منهم الحرب المشار إليها إلا فريق واحد. 

إلا أن التطورات التي حصلت أخيراً وأبرزها تسليم لبنانيين من أنصار الشيخ أحمد الأسير أنفسهم الى السلطة اللبنانية بعد لجوئهم الى مخيم عين الحلوة، وتسليم قتلة أحد كوادر "سرايا المقاومة" داخل المخيم وآخرين مطلوبين للقضاء، إلا أن كل ذلك ساعد في تخفيف الاحتقان وخفف من شائعات الانفجار. وهذا الأمر ما كان ليحصل لولا قرار المنظمات الفلسطينية المتنوعة في "عين الحلوة" وفي المخيمات الأخرى. علماً أن أيدي اللبنانيين لا تزال على قلوبهم خوفاً من شرارة تشعل المخيم وجواره. 

والخوف في محله لأن "عين الحلوة" ليس كمخيم نهر البارد المعزول والكائن في منطقة زراعية. فهو كبير المساحة والسكان، وعدد القادرين على حمل السلاح فيه كبير، وخبرتهم القتالية جيدة وتدريبهم مستمر. والحرب معه ستتسبب بدمار واسع فيه وفي صيدا وفي محيطيه الجنوبي و"الجبلي". ولا شيء يمنع تمددها جرّاء الطابع المذهبي للحرب في سوريا وتطوراتها كما في المنطقة. ويعني ذلك أن تكرار "نهر البارد" في "عين الحلوة" قد لا يكون سهلاً رغم أن "كسر" الأول كلّف جيش لبنان الكثير.

كيف ينظر الفلسطينيون الى الخطر المفصّل أعلاه؟ وهل يظنون أنه جدي وأن الصراع حتمي؟
الخطر موجود، يجيب مصدر فلسطيني مطلع جداً ومتابع من قرب كل ما يجري في المخيمات الفلسطينية. المنطقة كلها في حال حرب، والمذهبية متفاقمة بين المسلمين، وذاكرة الفلسطينيين كما اللبنانيين قوية أي لا ينسون كل ما حصل معهم في الماضي، لكنه يؤكد أن العقل لا يزال هو المسيطر على عقول قادة الفصائل الفلسطينية رغم الاختلافات فيما بينها وداخل كل منها، ويرجّح أن يستمر ذلك لأن الانجرار الى حرب عسكرية جديدة مع اللبنانيين أو مع فريق منهم أو الذهاب إليها بوعي وتصميم سينهي لا محالة قضيتهم الصعبة والمعقدة. 

وهي تحتاج الى استمرارهم واستمرار علاقتهم مع الشعوب التي يعيشون في وسطها. ذلك أن حلها ليس قريباً أولاً لأن الحرب الدائرة ذات الطابع المذهبي الطاغي وذات الدافع القومي (عربي – فارسي) بدأت قبل نحو 5 سنوات ولن تنتهي قبل سنوات أخرى كثيرة. وثانياً لأن هذه الحرب حققت لإسرائيل مكاسب كبيرة جداً لم تحلم يوماً أن يحققها لها العرب والمسلمون. فسوريا قلب العروبة النابض دُمّرت وتعيش غيبوبة. ونشأت بينها وبين دول عربية عدة غير "متصالحة" معها رسمياً علاقات عميقة فرضتها الحاجة، بعضها فوق الطاولة وبعضها تحتها. وصار عندها بين الضفة الغربية والقدس الشرقية مستوطنون يقدر عددهم بـ700 ألف. وهي تعمل كي يصبحوا مليوناً بعد سنوات قليلة. أما المجتمع الدولي فلا يتحرّك. ولولا مبادرة فرنسا الى الدعوة الى مؤتمر دولي لحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي لكان هذا الاخير منسياً. علماً أنه وغيره من التحركات يتجاهل قضية "العودة" وحقوقاً أخرى.
ماذا فعل قادة الفصائل الفلسطينية لتلافي الحرب مع محيطهم اللبناني؟