سمير عطا الله
كم مرة يجب أن نعيد قراءة التاريخ لكي نتحقق من صحة ما نقرأ؟ كثيًرا. وقد لا نصل أحياًنا إلى الحقيقة أبًدا٬ لأن الشاهد٬ أو المؤرخ٬ أو صاحب الأمر٬ كان متحيًزا أو مبالًغا أو مقصًرا في جمع المعلومات. لذلك٬ تنطبع في عقول الناس والأجيال صور٬ بعضها يجد من يصححه٬ وبعضها يظل على ما هو..
لا يزال المؤرخون يحاولون تصحيح صورة كريستوفر كولومبوس٬» مكتشف» أميركا. أي أول أوروبي حط الرحال في «العالم الجديد». «البطل» كولومبوس٬ الإيطالي الذي منحته إسبانيا لقب «أميرال المحيطات»٬ كان رجلاً فائق الحظ وليس العلم. جميعنا نعرف أنه قام برحلاته الأربع أواخر القرن الخامس عشر٬ بحًثا عن طريق آخر إلى الهند٬ بعدما سيطر العثمانيون على شرق المتوسط. عندما رأى البر الأميركي أول مرة٬ اعتقد أنه وصل إليها٬ وعندما رست سفنه في كوبا٬ ظن أنها الصين.
كان علماء اليونان قد أكدوا عام 500 قبل الميلاد أن الأرض كروية٬ لكن كولومبوس كان واثًقا من أن لها شكل إجاصة. وعندما وصل إلى ما هي اليوم هايتي وجمهورية الدومينيك٬ رأى السكان يعلقون عقوًدا من ذهب٬ وكتب إلى إيزابيلا وفرديناند٬ ملكي إسبانيا٬ يخبرهما أن في إمكانهما تمويل كل حروب الأرض بعد اليوم. وعندما اكتشف أن لا ذهب٬ قرر استبدال تجارة العبيد الذين شحن 500 منهم إلى إسبانيا بالثروة.
ولم يكن «إنسانًيا» بل طاغًيا ومتوحًشا. وأنزل هو ورجاله من العذاب بالسكان الأصليين من قبيلة أراواك٬ حتى دفعهم جميًعا إلى الانقراض انتحاًرا. ويرى البعض أنه هو من أطلق حروب الإبادة ضد «الهنود الحمر» في القارة الجديدة. وقد استعبد بالسلاح السكان الذين لا يحملون سوى رماح القصب. وكتب إلى الملك أنه أخذ منهم كل ما يملكون٬ وكان يعطيهم مقابل ذلك سبحات من الزجاج الملون التي لا تساوي شيًئا.
وحتى الحكومة استاءت من وحشياته في معاملة السكان فاستدعته. وبلغها أن رجاله يبقرون البطون ويرمون الضحايا في البحر٬ وأنهم يعذبون الرجال ويسبون النساء ويسِّخرون الأطفال في أشغال شاقة.
وكانت «اكتشافات» كولومبوس نتيجة صراع بين إسبانيا والبرتغال على استعمار مزيد من البلدان ومصادر الثروة. وقد كتب البابا ألكسندر «صًكا» يقسم فيه ما يكتشفانه من قارات إلى أملاك بينهما. ولم يفُت كولومبوس التذكير دائًما بأنه يفعل ذلك باسم المسيحية وهداية الوثنيين.
مررت بتمثال كولومبوس في الساحة التي تحمل اسمه في نيويورك٬ قرب سنترال بارك٬ وفي الميناء الذي أبحر منه في مدينة برشلونة. وفي الحالتين٬ لم أتوقف.
التعليقات