&عبدالله محمد الشيبة

ينص الدستور الفرنسي صراحة على علمانية الدولة الفرنسية وقد جاء ذلك الدستور نتيجة مخاض سياسي وشعبي طويل بدأ منذ الثورة الفرنسية التي استمرت عشر سنوات كاملة في الفترة من 1789م إلى 1799 م وكان الهدف الرئيس للشعب الفرنسي حينذاك إنهاء الظلم والديكتاتورية والقضاء على الفساد ونشر العدالة والمساواة ونصرة المرأة. ومرت الثورة الفرنسية بثلاث مراحل رئيسة. المرحلة الأولى من يوليو 1789 إلى أغسطس 1792 واتسمت بالملكية الدستورية حيث تم تأسيس الجمعية الوطنية واحتلال سجن الباستيل وإصدار بيان حقوق الإنسان ووضع أول دستور فرنسي. ثم جاءت المرحلة الثانية من أغسطس 1792 إلى يوليو 1794 وهي تصاعد التيار الثوري وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية الفرنسية الأولى في العام 1792 وكانت أول حكومة جمهورية في أوروبا. أما المرحلة الثالثة، فكانت من يوليو 1794 إلى نوفمبر 1799 حيث تراجع التيار الثوري وسادت البرجوازية المعتدلة، وتم وضع دستور جديد ثم قام نابليون بونابرت بانقلاب عسكري، وأعلن تأسيس الإمبراطورية الفرنسية عام 1804، ونصّب نفسه إمبراطوراً على فرنسا.

ثم توالت الأحداث الداخلية والدولية والتي كان لها تأثير كبير على الأوضاع السياسية في فرنسا حيث تم الإعلان عن الجمهوريات الثانية والثالثة والرابعة في الفترات من 1852 – 1848، و1870 – 1940، و1946 – 1958 على التوالي. وخلال الجمهورية الرابعة وتحديداً في عام 1950 صدر قانون فصل الدين عن السياسة لتنضم فرنسا إلى طائفة الدول التي تتبنى العلمانية رسمياً. وتعيش فرنسا الآن في الجمهورية الخامسة التي تم الإعلان عن دستورها في 5 أكتوبر 1958، حيث تم استبدال الحكومة البرلمانية بنظام نصف رئاسي.

وفي عام 2004 تم حظر ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية الفرنسية بجانب حظر ارتداء رموز دينية أخرى للمسيحيين واليهود. وفي عام 2010 تم إقرار قانون حظر النقاب في الأماكن العامة لتكون فرنسا بذلك أول دولة أوروبية تحظر غطاء الوجه للمسلمات. وهناك عدد من الدول والمدن أيضاً تحظر غطاء الوجه في الأماكن العامة مثل بلجيكا، هولندا، تشاد، الجابون، الكونغو برازافيل، مدينة برشلونة الإسبانية، ولاية هيسيه الألمانية وعدد من المدن الإيطالية. وقبل أيام جرى استطلاع رأي في بريطانيا أيد خلاله 57% من الأفراد حظر ارتداء «البرقع» بينما عارضه 25%.

ومؤخراً ثار جدل كبير داخل فرنسا وخارجها إثر قيام عدد من المدن الفرنسية بحظر ارتداء زي السباحة الإسلامي النسائي والمعروف بـ«البوركيني» والذي بدأ استخدامه لأول مرة بين الجالية المسلمة في أستراليا. وبالرغم من صدور قرار من أعلى محكمة إدارية فرنسية بإيقاف قرار حظر «البوركيني» فإن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أعلن تأييده حظر «البوركيني» باعتباره علامة خطر وترجمة صريحة لمشروع سياسي معادي للمجتمع ويمثل عبودية للمرأة.

وقد يرى البعض أن قرار حظر البوركيني يأتي ضمن خطوات معاداة الإسلام واضطهاد الجاليات المسلمة في الغرب ووضع العراقيل أمام اندماجهم ضمن النسيج الاجتماعي الغربي والتي شخصياً أعتقد بصحتها في الكثير من الأحيان. إلا أنه، في اعتقادي، أن الأمر الذي يغيب عن الكثير هو أن الوضع يتعلق أساساً بثقافة الغرب وتحديداً في النظام العلماني الذي تتبناه معظم الدول الغربية صراحة سواء في دساتيرها أو في سياساتها. وبالرغم من أن ذلك الأمر قد لا يروق لمعظم أفراد الجالية المسلمة في الغرب الذين اختاروا طواعية أو قسراً العيش هناك، فإن عليهم التكيف مع تلك المعضلة، وهي إيجاد التوازن بين ممارستهم للدين الإسلامي الحنيف وحياتهم في مجتمعات تفصل الحكومة والسّلطة السّياسيّة عن السّلطة الدّينيّة، ولا تجبر أيّ أحدٍ على اعتناق وتبنّي معتقدٍ أودينٍ كما تكفل الحقّ في عدم اعتناق أو تبني دينٍ معيّنٍ كدينٍ رسميٍّ للدّولة.