عبدالعزيز السماري 

تناقلت وسائل الإعلام العربية خبر التحقيق مع رئيسِ وزراء دولة الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو على خلفية شبهات فساد بتلقيه أموالاً وهدايا من رجال أعمال، وربما تكشف هذه الحادثة أحد وجوه التفوق الإسرائيلي على محيطه العربي..

فموقف الصهاينة من فساد السلطة ليس أخلاقيًا، أو دينيًا، ولكن وطنيًا أو قوميًا خالصًا، فهم يدركون أن الفساد المالي ثغرة في جدار أمن الدولة الصهيونية، ونافذة تدخل منها أسباب السقوط وعوامل الهزيمة أمام جيرانهم.

يتردد مصطلح الفساد في المحيط العربي كثيرًا في أخبارهم اليومية، وفي أطروحاتهم السياسية والثقافية والدينية، لكنهم إلى الآن ليس لديهم كتاب مفصل في تحديد وتشخيص أوجه الفساد، فالخطاب الديني يختصر الفساد في سلوك الفرد، بينما تختلط الأمور بين الفساد والصلاح عند الحديث عن الفساد المالي والإداري.

تدخل ثقافة توزيع الهدايا والأموال في الفساد المالي حسب مفاهيم العصر، لكنهم يقدمون لها تبريرات شرعية من أجل تبيض الأموال عند انتقالها كهبة أو منحة، كذلك الموقف المتساهل من ثقافة الفساد المالي في قضايا الاختلاس والتلاعب بالمناقصات والمزايدات وترسية المقاولات، وهو ما يؤدي إلى أن تتحول ثقافة الرشاوى إلى أحد مصادر الدخل عند العوام.

أزمة العقل الديني من قضايا الفساد إنه يتوقف تمامًا عن تشريح القرون الأولى، ويحذر من خطر الاقتراب منها، ويمتنع عن تحديد نماذج الصلاح وأمثلة الفساد المالي والإداري في تلك الحقبة، ولهذا تفشل الحلول الشمولية التي يقدمها رجال الدين، تحت مظلة الدفاع عن العقيدة الصحيحة، ويكون أحد أعراض الفشل انتشار طبائع الفساد المالي والإداري بين الناس ويتم تبريرها بأن الدنيا دار إفساد وامتحان، إلا من رحم ربك.

أزمة العقل الديني المعاصرة اتضحت في الموقف من حركات الجهاد الإسلامي، وفي تقديم المبررات الدينية لجرائم التفجير والغزو واسترقاق البشر، وهو ما أعاد الجدل حول ملائمة هذا الفكر لهذا العصر، وفتح الأبواب على مصراعيها للخروج إلى النماذج الحديثة مثل العلمانية والليبرالية والتعددية والديموقراطية.

تمثل تركيا أهم نموذج إسلامي حديث في إمكانية التحول من ثقافة الماضي إلى مواكبة العصر في موقفه من قضايا الفساد المالي والإداري، وقد كرر الزعيم التركي مرارًا نظرته الإيجابية من العلمانية في تركيا، وهو الذي خرج من عباءة الإسلام السياسي إلى زعامة أقوى دولة علمانية في العالم الإسلامي.

في التجربتين المسيحية واليهودية فشل رجال الدين في تنقية الإرث الديني من الفساد والاحتكار، وكان مآلهم أن تم عزلهم عن الحياة السياسية، كذلك حدث ذلك في تركيا، ويجري الآن في تونس، والعلة المشتركة بينهم إصرار بعض رجال الدين على تقديم الدين على هيئة مؤسسة منظمة في السياسة والمال، مهمتها السيطرة وجمع الثروات..

الفساد المالي والإداري يحتاج إلى تفصيل في الثقافة العربية، وإلى تعريفات في غاية الدقة لأوجه الفساد، وذلك لأن عصرنة الفساد المالي، وتأهيله، هو هدم وزعزعة لحصن الأمن المنيع في الأوطان..