عزة السبيعي 

تلك المظاهرات التي اجتاحت أميركا وكل دول العالم، منددة بالعنصرية والشعوبية، والتي قادها المثقفون في كل مكان، كان من أشعلها دونالد ترمب بتعصبه وعنصريته البغيضة التي أيقظت في الناس أهمية ما وصل إليه التطور المعرفي والثقافي الذي جعلنا ندرك أننا في النهاية، رغم اختلافاتنا التي تصنعها قناعاتنا، ننتمي إلى قبيلة واحدة هي الإنسانية.
في الحقيقة العلم يدعم ما تؤمن به هذه الحشود قطعا، خاصة أن الهجرات البشرية جعلت ما يسمى بالـ"دي إن إيه" يثبت أن العرق الخالص والنقي مجرد كذبة كبيرة، ففي الأبحاث الأخيرة ظهر بما لا يدع مجالا للشك أن الهجرات وتنقلات البشر خلال الكرة الأرضية كونت في الشخص الواحد عدة أجناس بشرية بنِسَب معينة، بعضها أكثر من بعض، بل ربما انتماؤه المكتوب في جوازه يكذبه الـ"دي إن إيه" وينسبه لعرق آخر.
لا شك أن لا أحد سيسمح لترمب بنشر العنصرية التي يبشر بها، بل ربما هو نفسه سيتراجع بسبب مصالحه السياسية، لكن ما يحزن هو أن تجد شبابا صغارا ينخدعون بدعاوى مثل نقاء العرق، وأصالة المرجع، ويحرمون أنفسهم من الصداقة أو الزواج من شخصيات مميزة، لمجرد أنهم يحترمون مثل تلك الادعاءات، كذلك أن تقع فتيات رائعات تحت سلطة من هو نفسه مخدوع بهذه الأكاذيب فيحرمن هن الأخريان من فرصة للسعادة والحياة مع أزواج مميزين، لمجرد أنهم تم تصنيفهم بحسب نظرية العرق الخالص والنقي.
على كل حال، إننا نملك حياة واحدة على هذه الأرض، بدأها رجل وامرأة كلنا ننتمي إليهما، مما يجعل تقاسم الاحترام والصداقة والحب أيضا هو الأولى حين نعيش هذه الحياة الواحدة. في مطار أرلاندا في ستوكهولم مكتوبة ‏عبارة للهولندي إيراسموس تقول "أنا مواطن في هذا العالم، بلدي في كل مكان.. وفي كل مكان أنا غريب".
أقول ربما لا نعود غرباء على أي أرض لو فقط قررنا أن نضع هذه الأكاذيب خلف ظهورنا، وتذكرنا أن ثمة شيئا يجمعنا، متأكدون منه تماما، ألا وهو الإنسانية.